حكمة اليوم

قرأنا لك

الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد

قائمة المراسلة
الاسم
البريد
الجوال

مشاهدة : 2306

الإدارة في ظلال السيرة: آمارات الإمارة(6)

الإدارة في ظلال السيرة:     آمارات الإمارة
إعداد/ أ.د. محمد المحمدى الماضى
أستاذ  إدارة الإستراتيجية بجامعة القاهرة

www.almohamady.com


----------------------------------------------------

إن ما اكتسبه محمد  صل الله عليه وسلم   من تنشئته المبكرة فى بنى سعد من صفات النقاء ، والصدق والأمانة ، والانطلاق الفطرى الطبيعى ، والبساطة المتناهية ، وطلاقة اللسان واللغة، روي عنه  صل الله عليه وسلم  قال : " أنا أعربكم ، وُلدت فى قريش ، ولسانى من بنى سعد" ، وكذلك ما رضعه عن جده من صفات القيادة ، والزعامة ، ومكارم الأخلاق والشجاعة والشرف بين قومه ، وما تعلمه عموماً من قبيلته بنى هاشم ذات الزعامة والمكانة المميزة من قريش ، كل ذلك وغيره تضافر فى ظهور آمارات القيادة والزعامة عليه  صل الله عليه وسلم  حتى قبل البعثة لدرجة جعلت قريش نفسها لا تختلف على ذلك .
فإذا كانت الدراسات قد توصلت الآن إلى أن للقيادة وخاصة الإستراتيحية منها صفات ، ومهارات ، وأدوار ، وقيم ، فإن المتأمل لسيرته  صل الله عليه وسلم  قبل البعثة سوف يجد أنه قد توافر له كافة هذه الصفات والمهارات والقيم ، ولعل من أبرز هذه الصفات كما حددتها مراجع الإدارة الإستراتيجية (1)،  صفات مثل : الشجاعة ، والحكمة، والتفكير المنطقى ، والتفكير الابتكارى ، الثقة بالنفس ، التفاؤل ، قوة الإرادة..ومن أهم القيم: الصدق ، والأمانة ، والعدالة ، والشورى ، والرحمة ، التكافل ، والرأفة ، والحنو ، والوفاء ، .... إلخ .
أما أهم المهارات فإن ملخصها ثلاثة هى :
1-    المهارة الفكرية الإدارية ، 2- المهارة الإنسانية ، 3- المهارة الفنية ، أى التى لها علاقة بطبيعة العمل الذى يؤديه القائد ، ولقد أثبتت الدراسات أن المهارة الإنسانية مطلوبة بنفس القدر تقريباً على كافة المستويات الإدارية (مباشرة – وسطى – عليا) أما على المستوى الأعلى فإن المهارة الأهم هى المهارة الفكرية .

(1)     محمد المحمدى الماضى ، إدارة الإستراتيجية ،( القاهرة : دار الثقافة العربية ط8 ، 2013) .
وكل ما سبق يمكن تسميته بالأخلاق الأساسية التى يمكن أن يشترك فيها كل الناس بصرف النظر عن درجة إيمانهم أو كفرهم .
والمؤكد أن محمد  صل الله عليه وسلم  قد توافرت فيه أفضل ما يحتاجه أى قائد إستراتيجى تاريخى من هذه الصفات والأخلاق ، بل والمهارات ، والقيم .
ولا أقول ذلك بمجرد الدافع العاطفى ، وإنما أقوله عن واقع يؤكده الواقع التجريبى وشهادة معاصريه أنفسهم له قبل البعثة.ويكفى أن أسوق لذلك بعض الأمثلة أهمها :
ما شاع عنه  صل الله عليه وسلم   قبل البعثة من صدق ، وأمانة لدرجة جعلت أهل مكة يستأمنونه على آماناتهم وأموالهم ، وظل ذلك حتى بعد بعثته، وعدم إيمانهم برسالته، حيث خصص علي بن إبي طالب لأدائها بعد هجرته.
وحينما بدأ إعلان بعثته وقف على جبل الصفا ونادى فى قومه بأعلى صوت حتى اجتمعوا ثم سألهم "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغيروا عليكم أكنتم مصدقىَ ؟" قالوا ما جربنا عليك كذبا، قال : "فإننى نذير لكم بين يدىً عذاب شديد".
بل مما يروى فى السيرة أيضاً أن هرقل حينما أراد أن يستوثق من خبر بعثته استدعى قافلة بقيادة أبى سفيان وسألهم عدة أسئلة كان منها هل جربتم عليه كذبا قبل البعثة فرد أبو سفيان: لا، بل هو يدعى الصادق الأمين.
إن الصدق من أعظم الصفات والقيم الأخلاقية الجامعة، فهو مفتاح النجاح الأول لأى منظمة ولأى شخصية على الإطلاق.
ولعلنا نذكر حالة شركة الطيران السويدية التى أوشكت على الإفلاس ، فتولى إدارتها قائد جديد وكأن أول ما فعله أن جمع سائر موظفيه وطلب منهم طلب واحد للخروج من تلك الأزمة، وهو أن يعتبر كل منهم لحظة تعامله مع العميل لحظة صدق يمثل فيها الشركة بأثرها، ثم بدأوا فى حصر لحظات الصدق هذه وترجموها إلى واقع، فخرجت الشركة من عثرتها، وحققت نجاحا مبهرًا.
ولعل أعظم شهادة على توافر كافة صفات الانسانية العليا فيه هى تلك التى خرجت من أفرب الناس إليه وأعرفهم به حينما حدث له خوف ورعب بعد أن جاءه جبريل لأول مرة فذهب إلى زوجته الحبيبة خديجة وكان مما قال لقد خشيت على نفسى، فقالت له: "والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل ، وتُكسب المعدوم ، وتُقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق" .
إن هذه الشهادة توضح أمرين ، الأول مدى صدقه وكرمه ووفاؤه وعدله فى تعامله مع زوجته التى كانت أكثر الناس حبا له ، وثقة فيه ، واقتناعاً به، ولا يعتبر ذلك بالأمر الهين، فالإنسان يمكن أن يمثل بعض الوقت أمام الناس ، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع زوجته التي تخالطه الليل والنهار وفى جميع أحواله.
الأمر الثانى أنها أرجعت ثقتها الكاملة ويقينها الراسخ بأن الله لن يخزيه أبداً بما يقوم به هو فعلاً من تصرفات وما يتصف به من أخلاق وما يمارسه من عادات ، مثل : صلة الرحم ، وحمل الضعيف والرأفة ، والعطف على المعدوم ، ليس فقط بإعطائه وإنما بإكسابه ، أى جعله يكسب وهى صفة عظيمة أن تحاول جعل الآخرين وخاصة غير القادرين يكسبون ، كما تكسب أنت ، ولا تسترح إلا أن يكون المجموع العام فى الحياة فى كل علاقاتك هو كسب/كسب ، ثم تقرى الضيف وهو قمة الكرم حتى على الضيف وإن كان غريبا أو غير معروف ، ثم كانت الخاتمة قمة المبادرة والإيجابية فى العون على نوائب الحق لكل من يحتاج إلى ذلك ، فهو  صل الله عليه وسلم   ليس بالإنسان السلبى القابع على منفعة نفسه الحريص على مصلحته فقط ، وإنما هو إنسان يتعدى خيره لغيره ويبادر بفعل الخيرات فى كل وجه من أوجهها دون تردد أو تأخر .
ولعل آخر ما أستشهد به على رجاجة عقله، وقدرته على اتخاذ القرارات  المواقف الصعبة، ذلك الموقف الذى كاد أن يقتتل فيه أهل قريش عند إعادة بناء الكعبة حول من يحمل الحجر الأسود ، فقال لهم أبا أمية بن المغيرة: اجعلوا حكما أول من يدخل عليكم من باب المسجد، فكان محمد فقالوا جميعاً: هذا الأمين ، قد رضينا، فلما أخبروه الخبر قال  صل الله عليه وسلم  : "هلموا ثوبا" فأتوه به ، فوضع الركن فيه بيده ثم قال : "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم رفعوا جميعاً" فرفعوه حتى إذا بلغ موضعه ، وضعه بيده ثم بنى عليه .
إن فى هذا الموقف دلائل واضحة على قدرته الفائقة  صل الله عليه وسلم   على اتخاذ القرارات الصائبة فى الأزمات والمواقف الصعبة، وبشكل فورى لا يلابسه تردد، وبكل ثقة بالنفس، وبسرعة بديهة عالية،خاصة أنها لا تحتمل وقتا للدراسة والتفكير المتأنى، وفى نفس الوقت سيترتب عليها أمور جسام.
أما تعامله الإنسانى فقد كان، أفضل ما يكون عليه بشر، ولعل فى تعامله مع خادمه زيد بن حارثة الذى كان بمثابة العبد الرقيق، ما يعتبر نموذجاً فى فن التعامل الإنسانى الراقى، لدرجة جعلته يحبه أكثر من أبيه وأهله ، حتى أن أهل زيد لما علموا بمكانه طلبوا أن فداءه بأي ثمن، فقال لهم خيَروه فإن أرادكم فخذوه دون مال ، فما كان منه إلا أن اختار البقاء معه مفضلاً إياه على أبيه ، وهذا ما دفع محمد  صل الله عليه وسلم  أن يعتقه ويلقبه بزيد بن محمد وكان ذلك جائزاً قبل الإسلام.
إن مغزى هذا الحدث يدل على قمة ما توافر له  صل الله عليه وسلم    من مهارة فطرية فى التعامل الإنسانى الرائع مع كل من يحيط به حتى أدنى الناس مرتبة ، فما بالك بمن هم أعلى منهم.
إن الدلائل العملية تؤكد أن كافة صفات وأخلاق ومهارات وقيم الكمال القيادية، كأفضل ما تكون، قد توافرت فى شخص محمد  صل الله عليه وسلم  قبل بعثته، وهذه صناعة ربانية من الله سبحانه وتعالى لأحد أهم أنبيائه على الإطلاق؛ القائد العالمى النموذج للبشرية جمعاء على مر الزمان المكان.
 فهل نأخذ من ذلك الدروس والعبر فى إعداد قيادات المستقبل منذ نعومة أظفارها، ولا نبخل فى ذلك بتقديم كل ما تحتاج إليه من أفضل الموارد لتدريبها وتنميتها ؟!.
للحديث بقية

www.almohamady.com

   
أضف تعليق
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل حاصل جمع