حكمة اليوم

قرأنا لك

الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد

قائمة المراسلة
الاسم
البريد
الجوال

مشاهدة : 3471

الممارسة الاستراتيجية لمنشآت الأعمال العربية الصغيرة

 

 

ملاحظة: هناك خلل في عرض الأشكال رغم أهميتها وسيتم تداركة في المقال المحدث قريبا بإذن الله

 

الممارسة الاستراتيجية لمنشآت الأعمال العربية الصغيرة : بين الواقع والطموحات

مايو 2009

 إعداد

أ.د. محمد المحمدي الماضي

أستاذ إدارة الاستراتيجية،

كلية التجارة، جامعة القاهرة

 ورقة عمل مقدمة لمؤتمر قسم إدارة الأعمال كلية التجارة جامعة القاهرة

  مايو 2009

 Website: www.almohamady.com

e-mail: almohamady@ almohamady.com


 

مقدمة :    

لاشك أن متانة البناء الاقتصادي لأي دولة أو أمة يعتمد بدرجة كبيرة على مدى التلاحم والتكامل القائم بين جناحي قاطرة هذا الاقتصاد ، وهما كل من المشروعات الكبيرة والصغيرة .

وإذا كانت الإحصاءات في الدول المتقدمة تشير إلى أن التركيبة العددية لهذا البناء تقوم على أساس 75% : 25% أو ما يقارب قاعدة 80 : 20 لصالح المشروعات الصغيرة ، إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو درجة تكامل ومتانة هذا التلاحم بحيث يكون لكل شركة كبيرة ( شركة سيارات مثلا ) عشرات الشركات الصغيرة المغذية في سلسلة مترابطة للقيمة تتبلور في منتج تام واحد هو السيارة مثلا ، لكن بدرجة عاليةمن الجودة يقودها الشركة الكبيرة وتعتبر مسئولةعنها باعتبارها المايسترو المنظم لهذه المعزوفة المتكاملة المتناغمة .

فإذا انفرط عقد هذه العلاقة انفرط عقد النمو الاقتصادي وتدهورت تنافسية الأمة ، فهي في أفضل حالاتها كالجسد الواحد أو كالبناء يشد بعضه بعضا . ولعل هذا مما يؤكد على ضرورة الاهتمام ببناء هذه العلاقة الاستراتيجية ابتداء على المستوى القومي وعلى كل مستوى من المهتمين سواء بالنسبة لاتحادات الصناعة أو أصحاب الشركات أنفسهم ، وإن كان العبء الأكبر يقع هنا على عاتق المستوى الأعلى أيا كان مسماه وخاصة في دولة تسعى للنمو كالوطن العربي وتعتبر في مرحلة المراهقة الإدارية والاقتصادية والسياسية، والاستراتيجية خصوصا .

وفي هذه الورقة نحاول رصد حالة المشروعات الصغيرة في الوطن العربي ودرجة النضج في التوجه الاستراتيجي لديها ، هادفين من وراء ذلك إلى توجيه رؤية كافة المهتمين إلى بذل جهد حقيقي يمكنه أن يبني منظومة إقتصادية قوية ومتكاملة من مثل هذه المشروعات الصغيرة ، حيث يعتبر كل منها نواة لمشروع كبير ناجح إذا أحسن التوجه واستكمل متطلبات النجاح والتميز .

وسوف ننطلق لتحقيق ذلك من تناول عدة عناصر أهمها :

·       نموذج الفكر الاستراتيجي المتكامل نظرة سريعة .

·       تحليل واقع المشروعات الصغيرة في ضوء هذا النموذج .

·       تنافسية الشركات في ضوء الميزة التنافسية ، وجاذبية الصناعة .

·       أهم المشاكل والتحديات الحرجة التي تعاني منها هذه الشركات

·       وماذا بعد.

 


منهج الدراسة:

سوف نعتمد في هذه الورقة على ما يمتلك الكاتب من خبرة ممتدة على مدى 30 عاما متصلة من البحث والدراسة والمعايشة في الفكر الإداري عموما والاستراتيجي خصوصا ممزوجا بمعايشة الواقع العملي الموجود لدى مؤسساتنا في الوطن العربي وفي المنطقة العربية كاستشاري إداري استراتيجي ،وكخبير تطوير تنظيمي،وكمنفذ للعديد من برامج تطوير مهارات الإدارة العليا استراتيجيا في العديد من دول المنطقة.

هذا بالإضافة إلى خلاصة العديد من الدراسات التي قام بها الكاتب في هذا الإطار وما توافر له من فكر استراتيجي عميق ومعايشة ممتدة لواقع شركاتنا .

ولعل مثل هذا المزيج القائم على كل من المبادئ والأصول العلمية المتراكمة وحصيلة الخبرة العملية المتواصلة يوفر درجة عالية بإذن الله في الأصالة والفائدة التي نرجوها .

نموذج الفكر الاستراتيجي المتكامل إطلالة سريعة :

بصرف النظر عن الجدل الدائر حول نموذج ما يسمى بإدارة الاستراتيجية  Strategic Management

فإنني أقترح لذلك تصورا ظللت أتبعه على مدى العشرين عاما الماضية في إطاره العام وأعتقد أنه قد اكتسب درجة من المصداقية وأثبت فائدة واضحة في منهجية الفكر الاستراتيجي ،والذي يمكن تلخيصه في كلمات ثلاث هي :

·       صياغة الاستراتيجية Strategy Formulation

·       تطبيق الاستراتيجية   Strategy Implementation

·       الرقابة على الاستراتيجية  Strategy Control

وبصرف النظر عن التفاصيل التي تحتويها كل من هذه المراحل الرئيسة الثلاثة إلا أن ما نريد التأكيد عليه هنا هو أن هناك تكاملية تربط بشكل عضوي بينها ، وأن جميعها يعتبر مهم كمنهج فكري يقوم على أساس إدارة تخطيط استراتيجي متكامل لجميع هذه المراحل ، وإن كان من أهم الأخطاء الشائعة التي قابلها المؤلف لدى معظم –إن لم يكن كل من تعامل معهم في قاعات التدريب أو الاستشارات ، هو الفصل بين هذه المراحل ، واعتبار أولها هو ما يسبق العمل ، وثانيها ما يصاحبه ، وأما الرقابة فإنها تعتبر تالية له....!

غير أن ما أريد التأكيد عليه هنا ابتداً أن هذه العناصر الثلاث يجب أن يتم بشكل شامل قبل البدء في أي عمل، أي كمنهج تفكيروتخطيط ،بمعنى أننا يجب أن نصل في المرحلة الأولى إلى صياغة محددة للاستراتيجية التي سوف نتبعها لتحقيق الهدف ، ثم نقوم بعد ذلك بدراسة كافة متطلبات التطبيق الناجح لها وضمان توفيرها .

ثم ندرس بعد ذلك متطلبات الرقابة الاستراتيجية لضمان استمرارية النجاح .

ولعل أول ما أريد أن أشير إليه هنا بوضوح هو وجود درجة كبيرة من الخلل في فهم هذه الآلية في تكامل هذه المراحل الثلاث .

ولكننا لو أردنا بعد ذلك ان نتناول على عجل اهم عناصر كل مرحلة وانعكاسها الواقعي فإننا سوف نجد الآتي( شكل 1 ) :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل (1)  النموذج المتكامل لإدارة الاستراتيجية 

المصدر: (الماضي ،2007 )

أولا بالنسبة لمرحلة الصياغة :

فإنها تتضمن 7 كلمات أساسية وهي :

1.    صياغة الرؤية .

2.    صياغة الرسالة .

3.    مبادئ وقيم الأعمال.

4.    التحليل الداخلي .

5.    التحليل الخارجي .

6.    صياغة الهدف الاستراتيجي.

7.    صياغة الاستراتيجية.


ثانيا: مرحلة التطبيق:

وفيها لابد من التأكد من عدة أمور سواء منذ بداية التفكير والتخطيط، أو مع عملية التنفيذ نفسها، وأهم هذه الأمور:

-         تحديد الأهداف التشغيلية

-         تخصيص الموارد

-         إعداد الأفراد وتهيئتهم.

-         اختيار القيادة المناسبة.

-         صياغة السياسات والوظائف.

-         صياغة الاستراتيجيات الوظيفية:

o      تسويق.

o      تمويل

o      إنتاج

o      بحوث وتطوير.

o      شراء....الخ

-         مراجعة الهيكل التنظيمي ومدى ملاءمته

-         مراجعة كافة النظم ومدى ملاءمتها.

-         تهيئة المناخ المناسب لتطبيق الاستراتيجية.

-         تحديد الاجراءات التفصيلية.

-         وضع الموازنات والجداول.

 

ثالثا: مرحلة التقويم والرقابة الاستراتيجية:

فإن الحد الأدنى لها:

-         صياغة وتحديد معايير الرقابة.

-         صياغة وتحديد مقاييس الرقابة.

-         الرقابة على الافتراضات.

-         تصميم نظام شامل للرقابة الاستراتيجية.

 

والسؤال الآن: إلى أي درجة ينعكس مثل هذاالنموذج بكافة عناصره المتكاملة على واقع التطبيق في الصناعات الصغيرة في الوطن العربي؟

 

في الحقيقة وقبل الاستطراد في الإجابة على مثل هذاالسؤال، فإنني أود الإشارة إلى عدة نقاط:

1-   أن الدراسات تثبت أن ميل المشروعات الصغيرة للأخذ بالمنهج المتكامل لإدارة الاستراتيجية حتى في الدول الغربية، يعتبر أقل بكثير من الشركات أو المشروعات الكبيرة.

2-   أننا لا يمكننا أن نجزم أن حال كثير من المشروعات الكبيرة في الوطن العربي يعتبر أفضل في الأخذ بهذا المنهج ،وهذا من المهم جدا توضيحة فمن واقع الممارسة والخبرة الخاصة والملموسة للكثيرين فإن حال ما يمكن اعتباره شركات كبرى وسيادية في الوطن العربي في ممارسة الادارة الاستراتيجية يكاد يكون في قمة التدني وانعدام كل من المعرفة والممارسة.

3-    ولذلك فلا يستبعد انطباق كثير مما يذكر هنا على المشروعات والمؤسسات الكبيرة  أيضا في الوطن العربي.

4-    كما أن ما يمكن اعتباره كبير ها هنا في المنطقة العربية قد لا يصل إلى ما هو صغير في المعايير المعتد بها في الدول المتقدمة .

 

لكننا على كل حال نقوم هنا برصد واقع المشروعات الصغيرة نسبيا ، ولعل الأمر مع الكبيرة يحتاج وقفة أخرى..

وحتى نكون أقرب إلى تصوير محدد للواقع فإنني  سوف أتناول مرحلة ، مرحلة مما سبق، وإلى أي درجة تتمثل في واقع المشروعات الصغيرة.

 

بالنسبة لمرحلة الصياغة الاستراتيجية:

أولاً: فيما يتعلق بالرؤية والرسالة وما يرتبط بهما من قيم ومبادئ:

-         لعل أبسط ما يمكن قوله في هذا الصدد ، أن ذلك يعتبر من قبيل الرفاهية الزائدة في الشركات الصغيرة، هذا في أحسن الأحوال، بل لعل الأمر لا يختلف كثيراً فيما يمكن اعتباره شركات كبيرة أو متوسطة.

-         ففي بحث تم على ما يقرب من ألف شركة في مصر على مدى السنوات من 1995 حتى 2000 كان أكثر من 95% من هذه الشركات تقريباً لا يعرف مجرد لفظ الرسالة، والذي ذكرها كذلك كان خال عن المعنى الحقيقي المقصود منها (الماضي، 2008)

-         وباستمرار البحث والاتصال المباشر بهذه الشركات منذ هذا التاريخ وحتى الآن، فإننا أجرينا في هذه الفترة ما يزيد عن مسح 1000 شركة من الناحية الاستراتيجية، وكان الملفت للنظر أن النتيجة لا تزال على حالها لم تختلف كثيراً ، إلا من بعض الشركات العالمية الكبرى التي دخلت السوق المصرية، وبعض من تأثر من الشركات المصرية الكبرى والمتوسطة من أثر الدراسة الأكاديمية ،والاحتكاك المباشر بالسوق.

-         لكن واقع الشركات الصغرى حتى الذي ينمو منها بشكل مضطرد، ويسير في وضع سوقي متميز لازال يؤكد بعد هذه الشركات بدرجة تكاد تصل إلى أكثر من 95% عن وجود رؤية ورسالة واضحتين ومبادئ وقيم أعمال عامة مشتركة، تحكم كافة التوجه الاستراتيجي للشركة بشكل واضح.

-         ولعل ما يجب أن نتفق عليه ، أن غياب ذلك يشير بوضوح إلى غياب أهم مؤثر في بناء التوجه والفكر الاستراتيجي لدى إدارة هذه الشركات.

-         وأنا هنا لست بصدد توضيح معنى الرؤية، ولا الرسالة، ولا المبادئ والقيم المشتركة، ولا أهمية كل منهم الاستراتيجية، لكن لا يختلف أحد على أن غياب هذه الأدوات يكفي للتأكيد على وجود فراغ استراتيجي، يدفع بالإدارة العليا لهذه الشركات إلى الاستغراق في جوانب التشغيل اليومية المتكررة ، والدوران في فلكها بشكل واضح.

-         بل إن التجربة الشخصية مع كثير من الشركات توضح ان  مجرد وجود رسالة أو رؤية، دون خروج عن هذه الدائرة الجهنمية للعمل اليومي المتكرر، ودون إيمان حقيقي كامل بتفعيل مثل هذا الفكر الاستراتيجي من خلال هذه الأدوات، يجعل من وجودها مجرد ديكور، لا أثر له على الواقع.

-         وبالرغم من أن كثير من المؤسسات الخاص منها والعام والخدمي منها والصناعي قد حدث لديهم طفرة غير عادية في السنوات السبع الأخيرة تقريبا (من 2007 :2014) فيما يشبه الموضة في التسابق بكتابة الرؤية والرسالة وسياسة الأعمال نتيجة لضغوط خارجية مما يعرف بالأجهزة العليا للجودة في الوزارات المختلفة ،إلا أن الملاحظ أن الأخذ بهذه الأدوات ظل لا يتعدى الجانب الشكلى فقط دون الدخول في المضمون ،بل وصل الأمر إلى درجة عدم فهم الصياغة الصحيحة للرسالة والرؤية وحدث خلط واضح بينهما وبين ما يمكن اعتباره أهدافا أو حتى برامج واستراتيجيات أو حتى اجراءات...!

-         ولعل ذلك يحتاج من المتخصصين والمسؤلين إلى وقفة جادة للارتقاء بمستوى صناع القرارات الاستراتيجية في الادارة العليا للفهم الصحيح لأدوات التحليل والصياغة الاستراتيجية.

-         خاصة وقد فوجئت أن مثل صياغة هذه المفردات المهمة (رؤية ورسالة ومبادئ أعمال) تفوض في الغالب إلى من هم في مستويات دنيا وليس لهم فهم ولا دارية ولا إحساس بما يقومون به من عمل سوى أنه مجرد استكما ل ديكوري لفراغ مطلوب سداده...!

 

ثانياً: فيما يتعلق بالتحليل الداخلي والخارجي:

إذا كان البعض ، بل الكثرة لا تكاد تسمع أو تعرف معنى الرؤية والرسالة ، ومدى أهميتهما وكيف يمكن تفعيلهما بل ، واعتبارهما في أحسن الأحوال من نوافل الأمر، ورفاهية الحال ، إلا أن ضرورة الواقع الإداري في حده الأدنى من الفعالية تحتم القيام المنتظم والمستمر بتحليل الواقع الداخلي لمعرفة ما به من نقاط قوة أو ضعف ، والخارجي لمعرفة ما به من فرص أوتهديدات ،باعتبار ذلك يمثل البنية الأساسية للتحليل الاستراتيجي، وما يمكن أن يتخذ من تصرفات أو يستخدم من أدوات تحليلية بعد ذلك لصناعة قرار استراتيجي صحيح يبنى على حقائق الواقع وافتراضات المستقبل.

والحد الأدنى المطلوب لذلك يمكن تركيزه في 4 أدوات هي :

-         مصفوفة تحليل كافة العوامل الداخلية.

-         مصفوفة تحليل كافة العوامل الخارجية المؤثرة.

-         مصفوفة SWOT المبنية عليهما .

-         مصفوفة الملامح التنافسية CPM

 

فبدون استخدام مثل هذه الأدوات تصبح الإدارة العليا للشركات، صغيرة كانت أو كبيرة ، كربان سفينة أو طائرة لا يعرف عن إمكاناتها أومكوناتها أي شيئ.

 ولا يعرف ما الذي يحيط به في البيئة الخارجية وما يمكن أن ينتظره، أو حتى كسائق سيارة يجهل إمكانات سيارته ، وما يمكن أن يكون فيها من مكامن القوة أو الضعف ،وما يمكن أن يعتري الطريق من حفر أو مطبات أو تصادمات ممن حوله... ؛ فإنه سوف يواجه الكثير من المشاكل التي تعوقه عن تحقيق هدفه، بل وربما تودي به وبسيارته في مهاوي الردى.

إن أي منشأة مهما بدأت في وضع متميز وحالة ناجحة ، فإن عليها أن تحافظ على ذلك ، لكن المشكلة الكبرى أن الوضع الداخلي والخارجي يعتبر من المتغيرات وليس من الثوابت التي يمكن تحديدها مرة واحدة وكفى.

وهذا يمثل تحدياً يحتم على الإدارة العليا في أي منشأة أن تظل على وعي ويقظة لمَا يحدث في مثل هذه المتغيرات من تغيير لتقوم بتقويم نفسها وتعديل استراتيجيتها وتطوير ذاتها واتخاذ أفضل تصرف استراتيجي لتحقيق أهدافها في ظل ظروفها البيئية الداخلية والخارجية المتغيرة.

ومن حسن الحظ أن أدوات التحليل الاستراتيجي في هذا الصدد وتطور تكنولوجيا المعلومات قد قدمت حلولاً سهلة وميسرة لتحقيق هذا الغرض، وأصبح من المتاح ترجمة كل ذلك في شكل كمي بسيط يضع مقياساً محدداً لفهم الواقع الداخلي والخارجي وما يمكن أن يحدث له من تغيير، (الماضي،2007)

أما عن واقع شركاتنا العربية عموماً والصغيرة منها على وجه الخصوص فإن هذا الجانب من التحليل يعتبر مغفلاً تماماً ولم نجد شركة واحدة تقوم بهذا التحليل بشكل رسمي دوري باستخدام أدوات واضحة ومحددة، كما سبق أن أشرنا إلى بعضها.

ولا يعني ذلك أن هناك شركات كانت صغيرة ،ولكنها استعانت بمستشارين استراتيجيين وضعوا لها إطاراً تحليلياً مساعداً انتقل بهم من الصغر إلى الكبر بل والانطلاق الخارجي ،وإن كان ذلك للأسف أقرب للاستثناء.

إن النتيجة الطبيعية لعدم إجراء التحليل السابق يؤدي بشركاتنا إلى عدة بدائل كلها صعب أهمها:

-         أن تكون في وضع خارجي مواتٍ، فتحقق مكاسب طيبة وهي ضعيفة.

-         أو يتحول الوضع الخارجي من الفرص إلى التهديدات فتنزلق من الوضع السابق إلى وضع التهديد مع الضعف (شكل 2) والذي يعرضها في الغالب لمتاعب جمة كثيراً ما تودي بحياتها تماماً.

-         ومما لفت نظري أن تحليل ( SWOT) قد أصبح مشهورا في الآونة الأخيرة في المنطقة العربية إلا أن أكثر الممارسين والاستشاريين لا يزال لديهم لبس وعدم معرفة صحيحة لاستخدامه بالشكل المفيد لصانع القرار الاستراتيجي ،وباعتبار هذا التحليل كما سبق أن أشرت بمثابة البنية الأساسية للتحليل الاستراتيجي .


ولقد صادفت في زياراتي لبعض دول المنطقة العربية دلائل مؤسفة على مثل تلك الممارسات الخاطئة لهذا التحليل على وجه الخصوص.

ولذلك فإنني قد فكرت بشكل جاد في عمل شهادة مهنية  لتخريج ما يمكن تسميته بالمحلل الاستراتيجي المعتمد .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل(2) واقع المشروعات الصغيرة في ضوء مصفوفة SWOT

 

والمتأمل لشكل (2 ) سوف يلاحظ أن نجاح الشركات التي ليس لها توجه استراتيجي ،يقوم في الغالب على متغير خارجي أو ما يسمى جاذبية الصناعة Industry Attractiveness  ،وهذا يعتبر وضعاً خطيراً للغاية ،ولقد وقعت فيه معظم الشركات العربيية وخاصة الصغيرة في الفترة الماضية.

ومن هذه النماذج ، العديد من شركات المقاولات والاستثمار العقاري الصغيرة ففي السنوات الخمس السابقة شهدت هذه الشركات طفرة كبيرة من النمو المضطرد نتيجة لعوامل خارجية محضة، مما أشعر الكثير منها بالنجاح بسبب تدفق غير عادي من الأرباح .

وفي مثل هذه الحالة والتي تمثل خانة (2 ) في شكل (2 ) فإن الاستراتيجية التي يجب اتباعها هل الاتجاه نحو أمرين : الأول هو البناء والدعم لعناصر الضعف الداخلية من خلال الاستفادة من تلك الفرص التي تدفقت عليها .

والثاني:هو ما يسمى باستراتيجيات الالتفاف لتحقيق أكبر درجة في المكاسب من هذه الفرص التي ربما لن تتكرر بسهولة .

غير أنني رأيت نماذج كثيرة من هذه الشركات أغراها تنامي جاذبية الصناعة رغم ضعفها الداخلي الشديد إلى تبني استراتيجيات خاطئة وهي الاتجاه إلى التوسع والتنويع بشكل غير محسوب فلا هي في خانة (1 ) حيث يتناسب معها استراتيجيات هجومية وتوسعية ولا هي في خانة ( 3 ) حيث يتناسب معها استراتيجيات التنويع سواء في المنتج أو الأسواق أو العملاء.، فماذا كانت النتيجة؟

حينما تفاقمت الأزمات المالية العالمية وبدأت تلقي بظلالها وآثارها على سوق العقار لدينا (الأزمة المالية العالمية مثلا 2008) ، فإننا وجدنا مثل هذه الشركات تعاني بشدة، وتتعرض لأزمات داخلية توشك أن تودي بها تماماً .

لقد أصبح وضعها واقعيا في خانة 4، لكن رغم ذلك ظلت الإدارة العليا لا تدرج  ذلك بشكل واضح ، وإن أدركت فلا يوجد التصرف الاستراتيجي المناسب ،وإن وجد فربما يكون بعد فوات الأوان...!

 

ثالثاً: فيما يتعلق بالاهداف والاستراتيجيات

لاشك ان عدم وجود تحليل داخلي وخارجي وغياب رؤية ورسالة بشكل واضح ومحدد يجعل من صياغة الاهداف والاستراتيجيات أمرا عشوائيا قد يضر أكثر مما ينفع.

وكما سبق أن أشرت في الفقرة السابقة فإن بعض الشركات وخاصة في قطاع المقاولات والاستثمار العقاري قد اتخذت استراتيجيات خاطئة تماما في مرحلة الرواج الماضية جعلتها تعاني تماما بعد الدخول في الازمة المالية العالمية وما ترتب عليها من آثار.

إن بناء الأهداف والاستراتيجيات التي تعمل على تحقيقها يعتبر لب العملية الاستراتيجية لكن لا يمكن اعتبارهما نقط البداية في عملية التحليل الاستراتيجي كما قد يتخيل البعض في الواقع العملي.

فلقد رأيت كثيرا من الشركات الصغيرة، وحتى الكبيرة، تتخذ قرارات استراتيجية دون دراسة جيدة حتى للهدف المحدد والدقيق من ورائها .

ففي إحدى الشركات النامية في مجال الصناعات الغذائية التي قمت بزيارتها وجدت خط إنتاج متطور موجود لكنه لا يعمل، ذكر لي صاحب الشركة أنهم ركبوه به منذ حوالي 6 أشهر لكنه لم يستكمل ، وكان ذلك الاتفاق منذ اكثر من عام ونصف ،وإلى الآن لا يزال الخط ساكناً لا يعمل رغم أهمية تشغيله لاقتناص الكثير من الفرص التسوقية المهدرة أمام هذا المصنع.

              بل إنني رأيت الإدارة العليا لأغلب هذه الشركات تستغرق في تفاصيل واجراءات العمل اليومي المتكرر التي غالبا ما تصرفها عن حقيقة الأهداف الاستراتيجية التي يجب أن تحددها وتوضحها ثم تحدد الاستراتيجيات المناسبة لتحقيقها، لقد غاب تماما عن إدارة مثل هذه الإدارات المستغرقة في غمرة التفاصيل ،تلك المعاني الاستراتيجية المهمة التي هي في الحقيقة من صميم عملها ،وبدلا من ذلك انغمست في مهام روتينية مع من يعملون معها في المستويات الإدارية الادنيا ،مما زاد من مشكلة ازدواجية العمل في المستويات الدنيا ،وحدوث فراغ استراتيجي في المستويات العليا ...!

     فالملاحظ العام أن من هم المستويات العليا والمفروض أن تتركز مهمتهم الأساسية في العمل الاستراتيجي عموما نجدهم غير أهل لذلك، فهم في الغالب قد تدرجوا من المستويات التنفيذية دون خبرة استراتيجية أو إعداد حقيقي وهم في الغالب يكونون أصحاب المشروعات الصغيرة أنفسهم ، فيتحولون مع الوقت إلى عقبات حقيقية حتى أمام أي جهود للنجاح والتطوير ، بل يؤدي نمو ونجاح مثل هذه الشركات إلى المسارعة بإظهار العجز الاستراتيجي لأصحاب هذه الشركات الذين هم في الغالب مديروها ،وقد يؤول الأمر في مراحل النمو نتيجة النجاح في المراحل البدائية الأولى والانتقال إلى حجم أكبر ،غالبا ما يؤول ذلك النجاح إلى الفشل نتيجة للجمود النشط  Active Inertia)) الذي أصبح يشكل طوقا يكبل الحركة الذهنية والتنظيمية للتفاعل الاستراتيجي الصحيح مع ما يحدث من متغيرات مع الوقت .

رابعاً: بالنسبة للتطبيق:

في ثلاثة أبحاث قام بها الكاتب على مدى الخمس عشرة سنة الماضية وجد أن القرارات الاستراتيجية إن وجدت ،فإنها تعاني من وجود مشاكل كبيرة ، تحد من نجاحها أو تعرقلها وإذا حاولنا تصوير وضع الشركات العربيية الصغيرة بين جناحي الصياغة والتطبيق كما يوضحها شكل (3) فإننا سوف نجد أن معظمها يقع في المربع رقم( 4)

           
 
   

ممتاز

 
 
   

التطبيق

 
 
   

رديء

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولعل ما يمكن أن يزيد هذا الأمر وضوحاً هو تلك العلاقة التداخلية بين العناصر الاستراتيجية السبعة الموجهة لأي شركة والتي تطلق عليها "7’S" كما يوضحها شكل( 4)

 

       
 
 
   

شكل 4

العلاقة التفاعلية بين عناصر الـ 7’S

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حيث دلت ملاحظاتنا على وجود درجة عالية من عدم التوافق التنظيمي الشامل فيما يتعلق بهذه العناصر خاصة في ظل غياب ما يسمى بالقيم المشتركة  (Shared Value)

وتكون النتيجة الطبيعية تنافر بين العناصر الستة الأخرى ، وهو ما يصور واقع معظم هذه الشركات (شكل 5)

 فإذا افترضنا وجود استراتيجية واضحة وصحيحة فغالباً يظل الهيكل كما هو دون تعديل رغم عدم توافقه معها.

 كما أن النظم تكون في الغالب متقادمة ولا تصلح للاستراتيجية الجديدة، أما الموظفين staff)  ) فإن أسلوب عملهم وتجاوبهم يكون بعيدا عن التمشي مع الروح المطلوبة للاستراتيجية الجديدة.

أما عن المهارات skills الأساسية فإننا قد وجدنا ظاهرة في غاية العجب في كل ما صادفناه أو تعاملنا معه من شركات ،وهي درجة عالية من معدل دوران العمل، وخاصة في المهارات العالية، وكأن بيئة هذه الشركات تعتبر جاذبة للمهارات المنخفضة التي تقبل بمرتبات متدنية حتى إذا اكتسبت خبرة وتفهمت جوهر عملها وأتقنته ، صارت طاردة لها...! حيث تعتبر بيئة العمل الخارجية أكثر جاذبية ومناسبة ،

 بل وجدت في كثير من الأحيان شكوى متكررة بدأ بها معي معظم أصحاب المشروعات الصغيرة من أفراد علموهم ، بدأوا معهم من الصفر ثم بعد ذلك تركوهم إما لإغراءات مادية أفضل من المنافسين ،أو الاتجاه لإنشاء بعضهم  مشروعات منافسة نظراً لبساطة فكرة المشروع التي فهموها ، ولكونهم لم يجدوا بيئة عمل محفزة للاستمرار.

والغريب أن كل أصحاب هذه المشروعات قد اتفقوا في تشخيصهم الخاطئ للمشكلة وأتوا إلي لإيجاد حل في ضوء هذا لتشخيص الخاطئ ؛وهو أن مثل هؤلاء العاملين ليس فيهم خير وأنهم سيئون بالطبع، ويحتاجون للعلاج من خلال النصح والارشاد وربما بعض برامج التدريب ...!

لقد كانت اجابتي على مثل هؤلاء بالطبع أن المشكلة تكمن في أسلوب وطريقة تفكيرهم ومنهجهم في التعامل الاداري الخاطئ والنظرة القاصرة والبعيدة عن رؤية حقائق الأمور وهي أنهم سبب المشكلة ولبها. وحينما استجاب لي بعضهم ،تغيرت الأحوال رأسا على عقب نحو الأفضل (شركة البراق، والمدينة للصناعات المتطورة في مصر على سبيل المثال)

 وبصفة عامة لا تزال ثقافة غالبية أصحاب المشروعات الصغيرة في هذا الجانب تتمسك بمنهج تقليدي مدمر لقوة العمل الماهرة ،خاصة في ظل انفتاح سوق العمل، وتنامي المنافسة بين الشركات على استقطاب المهارات الحرجة (كما فعلت شركة اتصالات عند دخولها سوق المحمول في مصر بعمل اغراءات ضخمة لاجتذاب المهارات العليا لشركة فودافون) وتنوع وتطور العمالة وزيادة انفتاحها وثقافتها ،وسهولة التواصل من خلال وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة.

 

أما عن أسلوب الإدارة (Style ) فإنه لا يكاد يختلف عن ذلك الأسلوب الذي يميل إلى كل من شدة التدخل في التفاصيل مع درجة عالية في الهيمنة والسيطرة وتهميش الآخرين، وعدم القدرة أو الاستعداد لتكوين صف إداري وسيط يمثل رديف أو مجرد همزة وصل بين الإدارة العليا التي تكون في الغالب ممثلة لأصحاب المشروع وبين باق أجزاء المشروع، وخاصة المستوى المباشر.

 

لقد لاحظنا النقطة الهيكلية الحرجة لجميع المشروعات الصغيرة، وخاصة الناجح منها هي الوصول بالنجاح والنمو إلى درجة معينة تجعل من حجم المشروع عقبة في سبيل الاستمرار، وذلك حينما يتحول النجاح إلى سبب معجل للفشل!

لماذا؟

لأن أصحاب المشروع الصغير الذين تعودوا على أسلوب معين في إدارته بحجمه الصغير وسيطروا عليه تمامًا نظرًا لمحدودية الأمور، مع أقل درجة من الخبرات والمهارات الإدارية المعاونة؛ يظلوا كذلك متجمدين على نفس الأسلوب والنظم والهيكل الإداري القديم، رغم أن كل ذلك لم يعد يصلح؛ لأن ظروف وحجم وطبيعة المشروع قد تغيرت تمامًا، وتحتاج إلى هيكل إداري مختلف، ونظم وأسلوب مختلف!

وهنا تحتدم المشكلات بدرجة كبيرة، ويصبح المشروع في عنق زجاجة، قلما يتمكن من الخروج منها ويكون أمامه:

إما التراجع للوراء والجمود على الوضع الأصغر، وربما الفشل التام ،وهذا أمر صعب.

أو الاستمرار مع المشكلات والمقاومة حتى يتم معالجة الأمور أو بعضها، إلى أن يشاء الله.

لكن ما أحب التأكيد عليه هنا هو أن أي مشروع صغير ناجح هو نواة لمشروع كبير ناجح، وأن كل ما يحتاج إليه المشروع الكبير الناجح من منهجية إدارية إستراتيجية متكاملة ،هي نفسها ما يحتاج إليه المشروع الصغير الناجح.

فإن بدأت مشروعاتنا الصغيرة بمنهجية إدارية إستراتيجية سليمة، فإنها سوف تتجه بسهولة ليس فقط إلى الكبر والنمو، وإنما أيضًا وهو الأهم إلى التميز العالمي.

وهذا هو المسار الطبيعي الذي سار فيه أي مشروع أجنبي عملاقا ناجحا يغزو العالم الآن.

خامسًا: فيما يتعلق بالرقابة الإستراتيجية:

لعل من نافلة القول أن نذكر بأن صياغة جيدة وتطبيق جيد ،بلا نظام رقابة إستراتيجية جيد سيكون في الغالب مآله الفشل، ومن باب أولى فإنه لا يمكن تصور نظام للرقابة الإسترتيجي شامل، بينما تعاني المشروعات الصغيرة من ضعف شديد في كل من جانبي الصياغة والتطبيق، كما سبق أن أوضحنا.

وبالرغم من تطور نظم المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والبرامج الكثيرة المساعدة في هذا الصدد، إلا أن الملاحظ هو عدم وجود تفكير في الاستفادة منها، رغم أن هناك فرصًا كبيرة أتاحها برنامج تحديث الصناعة، أما المشروعات الصناعية للاستفادة من هذه التقنيات.

ومن العجب أنني قد لاحظت حالة قد قامت بالفعل ببشراء بعض من هذه التقنيات التي يمكن أن تساعدها في ضبط كل معاملاتها، وخاصة المالية بشكل يسهل من عمليات التخطيط والمتابعة المالية، ومن ثم تسهيل عملية التقييم واتخاذ القرارات، ولكنن وجدت المنشأة لا تزال تعمل يدويًا وبخبرات حسابية بسيطة، وبيانات غير مناسبة لدعم اتخاذ القرارات .

لكنها أهملتها مع الوقت ، ليس هذا فحسب وإنما قد لجأت أيضا إلى شهادات معتمدة في الجودة تدعم الرقابة على الجودة لكن لم يتحسن الأمر كثيرا ...لماذا ؟

لأن الواقع يشير إلى أن أي محاولة للتطوير تسير بشكل جزئي منقوص، ودون وجود رؤية استراتيجية متكاملة ، سيجعل من عملية التطوير ،عمليات من الترقيع لثوب أصلا مهلهل وبالٍ ،والنتيجة تكون معروفة .

إن واقع نظم الرقابة الاستراتيجية في المشروعات الصغيرة يعتبر أيضا واقعا مؤلما فهو أقرب إلى الاختفاء التام .

ورغم تزايد فرص تواجده كمدخل لدعم القرار الاستراتيجي لكن ما يحد من وجوده ويمنعه هو غياب التوجه الاستراتيجي أصلا وخاصة في مرحلتيه السابقتين .

المشروعات الصغيرة والمواجهة الاستراتيجية مع الشركات الأجنبية العملاقة :

في ظل انفتاح الأسواق وإزالة الحواجز والعقبات أمام دخول الشركات الأجنبية لمنافسة الشركات الوطنية في عقر دارها ، فإن الجميع يصبح صغيرا ليس فقط في الحجم وإنما وهذا هو الأهم في الفكر الاستراتيجي والتمكن الإداري . وهنا تصبح شركاتنا مجرد  أدوات لعب تحركها الشركات الأجنبية كيف تشاء لدعم قدرتها التنافسية بالقدر الذي تحدده .

ويعتبر ذلك في الحقيقة أمرا في منتهى الخطورة على مستقبل شركاتنا التي كما سبق أن ذكرت تعاني من مراهقة إدارية واستراتيجية .

وفي بحث سابق للمؤلف ( الماضي ،2009) لدراسة أثر دخول سوبر ماركت عملاق هو سينسيبري على السوق الالوطن العربيية اتضح أن أثرها كان مدمرا على كافة المشروعات المنافسة كمتاجر سوبر ماركت ، بل و امتد أثرها عل الشركات الصناعية للمواد الغذائية نفسها . وهذا ما يمكن اعتباره مدخل مختلف في فهم وتحليل المنافسة .

حيث تحول الأمر من المنافسة بين الشركات باعتبار أن الشركة تمثل وحدة استراتيجية فيه ،إلى المنافسة على هيكل الصناعة حيث يتم فيه منافسة استراتيجية شاملة هدفها من قبل الشركات الأجنبية العملاقة هو تحقيق أعلى درجة من التحكم والندية على كافة أجزاء هيكل الصناعة Industry Structure

تمكنها من الهيمنة الكاملة على كل أجزائه ،وغالبا ما تبدأ باستراتيجية الابتلاع وذلك بشراء أهم الشركات المنافسة ، كما فعلت متاجر سوبر ماركت (سينسيبري) العملاقة  مع (إيدج ماركت) بمجرد دخولها السوق الالوطن العربيية ، ووشركة كاتبري للحلويات مع (بم ب (للسيطرة على هيكل صناعة الحلويات ، ونستله مع دولسي للسيطرة على هيكل صناعة الأيس كريم ،ولييز مع شيبسي ، وحتى في مجال صناعات كالأسمنت وما فعلته شركة لافارج.

والملاحظ هنا أن الشركات الالوطن العربيية سواء منها الصغير أو ما نسميه كبير قد تحول إلى فريسة سهلة في فم أسماك القرش التي جاءت تمارس درجة عالية من الفن الاستراتيجي.


الخلاصة :

ولا أريد أن أستطرد أكثر من ذلك في وصف الواقع الاستراتيجي للمشروعات الصغيرة والذي أوضح وجود درجة كبيرة من غياب التوجه والفكر الاستراتيجي.

 وإذا استمر ذلك بنفس المنوال فسوف يهدد مستقبل هذه الشركات بدرجة كبيرة خاصة في ظل تنامي حدة المنافسة والأزمات المالية العالمية وما يعقبها من أثار مدمرة وزيادة التهديدات الخارجية عموما في ظل بيئة شديدة التقلب والتعقد .

ومع ذلك لايمكن أن نغلق الباب كاملا أمام أي أمل في الانطلاق والإصلاح ولكن كيف ؟

إنني وبإيجاز شديد أدعو كافة المهتمين إلى ضرورة  إعادة النظر في تشكيل العقل الإداري الاستراتيجي لأصحاب المشروعات الصغيرة أولا، ثم تضافر كل من الممارسين مع الأكاديميين في مزيج واحد يشكل فريقا متكاملا لإعادة هيكلة استراتيجية شاملة لهذه الشركات يؤهلها للمنافسة العالمية بلغة العصر ، ولا يكون مجرد طفرات تطفو أحيانا وتغوص كثيرا ، ولعل مثل هذا المؤتمر يكون بمثابة نقطة بداية لذلك مستغلين الفرص التي يتيحها الآن برنامج تحديث الصناعة رغم أنه في مراحله الأخيرة فقد يثاب المرء رغم أنفه .

مع خاص تمنياتي بالتوفيق والنجاح للجميع ،

ا.د محمد المحمدي الماضيِِ

أستاذ إدارة الاستراتيجية

كلية التجارة-جامعة القاهرة

Dr.mady1@gmail.com

www.almohamady.com

 

المراجع :

1.    الماضي ، محمد المحمدي ،(2007 )، " إدارة الاستراتيجية ، (القاهرة :دار الثقافة العربية).

2.    الماضي ، محمد المحمدي ،(2008 )، " رسالة النظمة :دراسة تطبيقية على الشركات المصرية  مقارنة بالشركات الأجنبية العاملة في مصر"،نشرت في :محمد المحمدي الماضي ، دراسات متقدمة في الإدارة :الأسس النظرية والدراسات التطبيقية من واقع بيئة الأعمال العربية (القاهرة :دار الثقافة العربية).

3.     الماضي ، محمد المحمدي ،(2008 )، " أثر دخول متاجر السوبر ماركت العملاقة على استراتيجيات المنافسة في السوق المصرية"،أعيد نشرها في :محمد المحمدي الماضي ، دراسات متقدمة في الإدارة:الأسس النظرية والدراسات التطبيقية من واقع بيئة الأعمال العربية (القاهرة :دار الثقافة العربية).

 

 

   
عدد التعليقات 1

1
الممارسة الاستراتيجية لمنشآت الأعمال العربية الصغيرة : بين الواقع والطموحات
كتب :Nagwa Afifi
بتاريخ: السبت 24 يناير 2015 الساعة 07:14 مساءً
شكرا لحضرتك يادكتور على المعلومات القيمة مقالة عظيمةوأفادتنى كثيرا. قرأت فى مقالة أن فى أكتوبر عام 2010 حضر أستاذ جامعة هارفرد مايكل بورتر فى مؤتمر فى مصر، أعد المؤتمر أدهم عبد السلام فى قاعة فندق جراند حياة بالقاهرةوكان هناك حوالى 600 شخص من المديرين التنفيذيين ورجال الأعمال، والاساتذة، والمديرين التنفيذيين للجمعيات الخيرية، وصناع القرار، وتكلم البروفيسور مايكل بورتر عن إستراتيجية الجيل القادم وعن أستراتيجيةالاقتصاديات ، وعن الشىء الكبير المقبل فى الإستراتيجية. تقول كاتبة المقالة أن واحدة من أهم الدروس التى تعلمتها من مناقشاتى مع مايكل بورتر هى أهمية \\\"لا\\\" فى الإستراتيجية. المرجع: 1.Jeroen De Flander , (2014),\\\"Great strategists say “no”\\\", Strategic Direction, Vol. 30 Iss 4 pp. 31 - 32
أضف تعليق
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل حاصل جمع