الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد
مستقبل الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال المنظفات:
الفرص والتهديدات
أ.د. محمد المحمدي الماضي
أستاذ إدارة الاستراتيجية
ورئيس قسم إدارة الأعمال الأسبق
كلية التجارة جامعة القاهرة
20/2/ 2020
لا شك أن بيئة الأعمال التي تعمل فيها المنظمات تتميز بالتغير والحركية ، فدوام الحال من المحال.
وما لم تكن هناك إدارة استراتيجية واعية ودائمة اليقظة فسوف نكون أمام أحد أمرين أحلاهما مر:
الأمر الأول:
فرص متاحة وسانحة دون وعي أو إدراك صحيح لها في الوقت المناسب ، مما يضيع فائدة كانت مؤكدة، ولا ينفع الندم بعد ذلك...!
الأمر الثاني:
أن تواجه تهديدا وهي في حالة من الضعف والتردي ، نظرا لأنها ظلت معتمدة في بقائها على مجرد وجود فرصة خارجية لصناعة جاذبة، دون أن تعمد إلى معالجة نقاط ضعفها المزمنة، حيث في الغالب يؤدي هذا التهديد لتعريض بقائها ذاته للخطر.
ولعل شركات المنظفات الوطنية وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها تعتبر خير مثال لتوافر كلا الأمرين السابقين.
فلقد عاشت فرصة حقيقية بعد تعرض الشركات العالمية العملاقة في مجال المنظفات بمصر لمخاطر تدهور سعر الجنية وزيادة تكاليفها ومدخلاتها، وكذلك انخفاض القوة الشرائية للطبقة المتوسطة، واتجاها للبحث عن منتج بديل بسعر منخفض وجودة مناسبة، وهذا بالضبط ما كان يجب على شركاتنا الوطنية تلبيته.
إلا أنها لم تدرك ذلك بشكل صحيح وكافٍ وظلت تعمل بنفس الأساليب العشوائية الفردية ،البعديدة كل البعد عن الأخذ بفكر الإدارة الاستراتيجية المحترفة والواعية والرشيدة...!
ولا شك أن المنافس القوى (الشركات الأجنبية العملاقة) لا يستسلم للتهديدات ، بل سيجتهد في ابتكار استراتيجيات وأساليب تمكنه من مواجهتها والتغلب عليها مع الوقت ، خاصة إذا كان المنافس المواجه له (الشركات الوطنية) في غيبة عن الوعي الاستراتيجي.
ثم أخيرا وليس آخر دخل منافس قوي وهو القوات المسلحة ساحة المنافسة في مجال المنظفات ، سواء بإنتاج مادة السلفونيك نفسها أو منتجات نهائية للمستهلك الأخير وخاصة في مجال المنظفات السائلة.
وهذا القادم الجديد يمثل بلا شك تهديدا بدأت الشركات الصغيرة والمتوسطة تتخوف منه بشدة.
فإذا علمنا أن المنافس الجديد يبني ميزته التنافسية على كل من السعر والجودة معا (أقل من أفضل منافس وهو الفتح ب 20 جنيها للجمدانة ) فإن ذلك معناه أنه سيكون ندا مهددا لهيكل الصناعة ...!
لكن المستغرب من جانب هذه الشركات هو أنها تعتبر أن منافسة القادم الجديد موجهة بالدرجة الأولى ضدها وليس للشركات الأجنبية العملاقة، فكانت تتوقع أن يتجه لتكنولوجيا متقدمة وأحدث لانتاج السالفونيك الغازي، أسوة بالشركات الأجنبية المتقدمة ذات الامكانات الهائلة، ويكون دعما للشركات الوطنية ...!
إلا أن تكنولوجيا الانتاج التي اعتمدها ، هي انتاج منتج حامضي وليس الغازي ، رغم الامكانات الهائلة التي يملكها ، فالسالفونيك الغازي ييحتاج استثمارات أكبر قد يعجز عنها أي منتج مصري صغير بمفرده، ورغم أن الشركات العملاقة تنتج الغازي حيث يعتبر هو الأفضل في انتاج المسحوق ...!
وهذا يمثل علامة استفهام كبيرة ، هل جاء لينافس الشركات الوطنية الصغيرة أم الأجنبية العملاقة والمهيمنة؟ وهل سيكتفي القادم الجديد بهذا التوجه دون الخروج عنه ، أم هو جس نبض للسوق ثم يتجه للغازي ؟ ويترك ساحة الحامضي للصغير والمتوسط؟
وهل سوف يستمر في بيع خام السلفونيك أم يتجه للمنتج النهائي ويتوسع فيه مع الوقت ؟
وهل سيقتصر على المنافسة في السوق المصري أم يتجه للتصدير للخارج؟
وهل سيستهدف عميل المنظمات ، والعميل الصناعي عموما ، وخاصة الحكومي كمحتكر أم سيتحرك في منافسة مفتوحة؟ وما هي الكفاءة التنافسية الاستراتيجية؟
وما هو التهديد المحتمل على المنتج المصري الصغير والمتوسط؟
يعتقد المنتجون الوطنيون من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة أن الحصة التي سيحصل عليها من السوق ستكون في الغالب على حساب المنتج الصغير والمتوسط ، لقدرته التنافسية الأعلى (سعر أقل ، جودة أعلى ، مدخلات متوفرة وأرخص، وامكانات تسهيلية أعلى، ومخاطر شبه منعدمة...!
ومع ذلك فإنني أرى أن السوق المصري كبير ولا يزال يستوعب الكثيرين، فما يزال هناك فرص استثمارية كبيرة في هذا المجال وفي حدود علمي هناك شركات أجنبية تستثمر بالفعل لضخ منتجتات ذات علامات جديدة في مجال المنظفات الصناعية .
والذي سسيتأثر بلا شك هو المنتج الردئ والأقل كفاءة ، والذي لم يحاول استغلال الفرص بشكل جيد لمعاجة نقاط ضعفه الإدارية وتحويلها لنقاط قوة، تمكنه من بناء ميزة تنافسية مستدامة.
أما المنتج الكفء إداريا واستراتيجيا سيعتبر ذلك فرصة إضافية سوف تظهر في الغالب قدرته على مواجهة التحديات .
وغالبا فإنني أرى أن الشركة التابعة للقوات المسلحة قد تتجه (في ظل توجه استراتيجي رشيد ) نحو: :
· المنتج النهائي، حيث يبدأ بالمنظفات السائلة ، ثم يتجه نحو االمسحوق.
· استخدام تكنولوجيا السلفونيك الغازي الأكثر تقدما في نهاية الأمر .
· التركيز على المشتري الصناعي والمؤسسات ، وخاصة التابعة للحكومة والجيش نفسه ، وهي تمثل قوة شرائية كبيرة ولا يستهان بها.
· عدم المنافسة في خام السلفونيك نفسه.
· الاتجاه نحو فتح أسواق خارجية بالتصدير ... وكذلك تحريك الانتاج للخارج.
· قيادة غير مباشر للسوق وخاصة المنتجين الوطنيين للارتقاء بقدراتهم التنافسية في هذا المجال داخليا وخارجيا.
وماذا عن المنتجين الصغار والمتوسطي الحجم؟
في الحقيقة لقد استفادت بالفعل كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة من تلك الفرصة التي سنحت بعد تعويم الجنيه المصري، وبدأت تظهر وتتواجد في السوق بشكل واضح ، لكن غاب عن معظمها :
· الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى الواضحة.
· الادارة الاستراتيجية المحترفة .
· عدم التكامل فيما بينها ، وسيطرة روح الفردية والأنانية في التصرف وعدم التنسيق فيما بينها بأشكال مختلفة تعظم من فائدتها أمام العمالقة الذين لن يتوانوا عن تعديل استراتيجياتهم للتكيف مع الأوضاع الجديدة.
وما الذي يتوجب عليها فعله؟
في الحقيقة أرى أنه ليس أمام هذه الشركات سوى الآتي:
· التكتل حول قيادة استراتيجية واعية تعظم من الفوائد المشتركة من خلال سلوك تعاوني تكاملي يمكنها من التطوير للصمود أمام الشركات العملاقة والتهديدات المستمرة.
· فد يكون هذا التكتل في شكل اتحاد أو غرفة أو جمعية لكن بإدارة واعية ومبادرة وفريق واعي ومبادر لديه رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تحقق المصلحة للجميع.
· تطوير مستوى الفكر الاداري الاستراتيجي والتشغيلي لكل شركة بمساعدة الكيان الجماعي المتفق عليه .
· عمل خدمات استشارية فنية وادارية وتكنولوجية وتقديمها بتكلفة منخفضة للأعضاء.
· عمل مجمع صناعي للسلفونيك الغازي يكون أساس لصناعة منتجات نهائية ذات تنافسية عالية محليا وإقليميا.
· عمل خطة استراتيجية بعيدة المدى للقطاع ككل ولكل شركة باعتبارها وحدة منه.
· عمل نظام صارم لمراقبة الجودة في ضوء وجود معايير ومواصفات صارمة متفق عليها مسبقا.
· ويكون هناك حزمة من الحوافز التشجيعية للالتزام بهذه المعايير ؛ مادية ومعنوية وسلبية وايجابية...
· وأن يكون للدولة دور تشجيعي لتحقيق ذلك وقيادته للارتقاء بالنتج الوطني مما يصب في المصلحة الاستراتيجية الوطنية العليا للبلاد.
وماذا لو لم يتم الالتزام بما سبق؟
للأسف الشديد لن يؤدي العمل العشوائي في النهاية إلا الى الفشل والتلاشي وخاصة مع بداية ظهور التهديدات والتحديات من أي مصدر، لأن نجاح مثل هذه الشركات يعتمد بشكل أساسي على توافر فرصة خارجية ، وليس على ميزة تنافسية داخلية لديها.
ومن ثم سرعان ما تتحول هي نفسها إلى فرصة مغرية لغيرها فتتلاشى ويظل البقاء والسيادة والسيطرة للمنافس الأجنبي ، حتى في مثل هذه الصناعة السهلة والبسيطة والمربحة والتي يعتبر الطلب عليها كبير ومتنامي ومستمر مع الوقت، فهل ندرك ذلك التصرف الاستراتيجي الرشيد قبل فوات الأوان...؟!
أ.د. محمد المحمدي الماضي
أستاذ ادارة الاستراتيجية والاستشاري الاداري
20/2/2020