الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد
غرفة الحافلات السفرية السودانية
نموذج لإعادة الاختراع الاستراتيجي للصناعة
والرافعة الاستراتيجية Strategic Leverage
أ.د. محمد المحمدي الماضي
أستاذ إدارة الاستراتيجية والاستشاري الاستراتيجي
مقدمة:
تعتبر تلك الحالة من أغرب ما صادفت في حياتي كنموذج من أنجح نماذج التحول الاستراتيجي من قمة المعاناة لدرجة الاستعداد للتصفية والخروج من السوق، إلى قمة النجاح، ليس فقط لمجرد البقاء والاستمرار في الصناعة، بل وهذا هو الأهم، المنافسة على القمة والوصول بالفعل إليها والتربع على عرشها في وقت وجيز لا يتعدى الثلاث سنوات...
ووجه الغرابة بالنسبة لي شخصيا، أنها لم تكن كغيرها من الحالات التي صادفتها وتعاملت معها كاستشاري العديد من السنوات أو الأشهر، بل كان اللقاء مع مجلس إدارة الغرفة لعدة ساعات لا تزيد بالضبط عن عشرة ساعات، تم فيها كل هذا التحول...
ربما لكون الوقت كان ضاغطا (في دورة بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة 2009 تقريبا ) وكان نصيبي منها يومان، وكان جميع من حضر بما فيهم الأمين العام للغرفة وما لايقل عن 25 من مجلس إدارتها أمام قرار مصيري ؛ إما أن نكون أو لا نكون...!
خاصة بعد أن عجزت غرفة الحافلات عن مجارة الباصات والليموزين في المنافسة على السفر الطوالي، وتوالت الخسائر والتدهور في الحصة حتى كادت أن تتلاشى تماما...
وهنا جاؤا إلى جامعة القاهرة ليتعلقوا بطوق النجاة الأخير، وكانوا في منتهى الجد والجدية وكنت أنا كذلك، وتلقوا كل حرف بمنتهى الجد واعتبروا ما تناولناه وما خلصنا إليه في تلك الورشة بمثابة خارطة طريق لا يمكن الخروج عنها، وتعاهدوا على تنفيذها بحذافيرها، وهذا ما لم أكن أتخيله، لكنه حدث بالفعل وقد كان؛ ولندع للتجربة أن تتحدث عن نفسها:
ظلت صناعة السفر الطويل في جمهورية السودان تسير بشكل تقليدي تسيطر فيه الباصات ، وتتحدى الليموزين وتتوارى عن المنافسة الحافلات. نظرا لضعف مركباتها ، وقلة إمكاناتها التي لاتتناسب مع السفر لمسافات طويلة قد تصل إلى أكثر من 1000 ك متر في كثير من الاتجاهات من وإلى العاصمة الخرطوم.
بداية التحول :
ولقد تميزت الباصات في هذا الصدد بإمكاناتها المرتبطة بالباص نفسه حيث يمكن أن يوفر مقاعد أكثر راحة ، ووجود حمام لابد أن يحتاج إليه المسافرون وخاصة في المسافات الطويلة ، وكذلك إمكانية وجود شاشة عرض لتقديم برامج تسلي المسافرين وتخفف عبء طول الرحلة هذا بخلاف إمكانية تزويد الباص بخدمة تقديم الطعام والمشروبات .
وإذا كانت كل هذه مزايا تنافسية ينفرد بها الباص على منافسيه ، إلا أننا لايمكن أن نغفل أهم نقطة ضعف يمكن أن يعاني منها وهي تلك الخاصة بانعدام المرونة فيما يتعلق باقتصاديات كل رحلة ، حيث تتحول ميزة الرحلات المنتظمة للباص إلى نقطة ضعف تضطر بعض الرحلات للانطلاق دون أن تحقق الحد الأدنى الاقتصادي من عدد الركاب .
ومع ذلك ظلت الباصات هي المستحوذ الأكبر على أكبر شريحة من سوق المسافرين بين الولايات متقدمة بذلك على الليموزين والحافلات .
لكن الليموزين ( وهي عربة مرسيدس خمسة راكب ) شكلت المنافس المتحدي للباصات ، حيث تمتعت بميزة المرونة في مواعيدها ، وانطلاقها دون قيود الارتباط بعدد كبير متنوع الوجهات ، مما أتاح لها بالإضافة للمرونة التمتع بتحقيق إقتصاديات التشغيل لكل رحلة دون التعرض لأية خسائر في حالة ضعف الإقبال على السفر...
أما عن الحافلات ( وهي عربة تسمى ميني باص أو ميكروباص ما بين 12: 24 راكب) وفي الغالب تكون 12 راكب، فإنها لاتتمع بمزايا حجم الباص ، ولا بمزايا مرونة الليموزين.
ورغم وجود غرفة لأصحاب الحافلات السفرية إلا أنها لم تكن تمثل سوى تجميع لهؤلاء مالكي الحافلات دون وجود حد أدنى من الإدارة الجماعية والتنسيق لمواجهة التحديات التي واجهتها طوال فترات وجودها .
فالحافلات نفسها، كانت معظمها قديمة أو متهالكة ، وغير منتظمة في مواعيدها ولا مرنة في حركتها ، ولا تتمتع بخدمات تجعل من رحلاتها أكثر راحة كالباص وكان قرار إضافة أو تجديد حافلة أو أكثر يخضع لسياسة وقدرات كل مالك على حده...
لقد ترتب على هذا الوضع انعكاس مباشر على الحصة السوقية للمنافسين الثلاثة لتكون كالآتي على وجه التقريب:
· الباصات النصيب الأكبر حوالي 70% تقريبا
· الليموزين تليها مباشرة حوالي 25% تقريبا
· الحافلات هي الأقل استحواذا لاتكاد تصل إلى حوالي 5% تقريبا
ولقد أدى هذا الوضع إلى تعرض غرفة الحافلات لخسائر متتالية وتهديدات ضخمة لم يكن أمامها سوى أحد أمرين لا ثالث لهما :
· إما التوقف عن الاستمرار والانسحاب من السوق تماما .
· وإما إعادة صياغة أعمالها (Business Design) والدخول في تحدي لإعادة اختراع الصناعة ككل بحيث تحول دفة المنافسة لصالحها ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالأخذ بآليات الإدارة الاستراتيجية بمفهومها الحديث باعتبارها سببا يجب على أي إدارة محترفة أن تأخذ به إن كانت تريد أن تؤمن لها مكانة تنافسية متقدمة ومستمرة على سائر المتنافسين .
ولحسن الحظ فقد غلبت كفة البديل الثاني ، وكانت المشكلة هي كيف يمكن لهم ممارسة ذلك وهم مجرد مجموعة من المستثمرين المتنوعين في هذا المجال ليس لأي منهم أدنى خبرة أو معرفة إدارية تذكر .
ولحسن الحظ أيضا أن دلهم أحد الأعضاء الذين لهم سابق خبرة ومعرفة بالاتصال بمراكز التدريب والتنمية الإدارية وخبراء الإدارة في مصر ، دلهم هذا الشخص على أن يتلقوا دورة تدريبية في معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة على أن يكون المدرب الرئيسي فيها هو أحد أبرز المتخصصين في إدارة الاستراتيجية في ضوء تجربته السابقة ، واشترطوا على المعهد أن يكون هذا الخبير هو من يقود المجموعة في هذا الوقت القصير إلى وضع خطة تحول استراتيجي لهم في ضوء ما هو متعارف عليه في أدبيات إدارة الاستراتيجية الحديثة .
واتصل بي أحدهم ، بالفعل ولم يكن متاحا لي جينها سوى يومين فقط من بين دورة مدتها خمسة أيام .
والتقيت بالمجموعة التي تضم معظم إن لم يكن كل ـ أعضاء مجلس الغرفة (حوالي 25 عضوا) ورئيسهم الشيخ محمد الحسن ، وكان رجلا كبيرا يفوق الخامسة والستين من العمر لكنه تميز بشخصية قيادية تجمع بين البساطة وفطرة القيادة والشخصية الكارزمية المؤثرة والمؤمنة بمهمتها والواثقة من تجاوز التحدي الذي يواجهها.
وكان ذلك اللقاء في شتاء عام 2009 حيث كان أمامنا يومان يتضمن كل منهما فترتين بينهما راحة وكان التحدي الذي أمامي ليس فقط أن أعطيهم محاضرات في تنمية المعرفة الإدارية وخاصة الاستراتيجية لديهم ، وإنما كان عليّ بشكل واضح أن أضع أيديهم بشكل ملموس على مفاتيح التميز الاستراتيجي الذي يقودهم ليكونوا في قمة المنافسة فكيف يحدث ذلك؟ لم يكن أمامي سوى أن أبدأ معهم من البداية وبشكل مركًز جدا.
بناء الثوابت:
لايمكن لأي منظمة أن تواجه رياح المنافسة العاتية وتحديات البيئة الخارجية المتزايدة دون أن يكون لها ثوابتها الراسخة التي تقودها إلى صياغة استراتيجيات مستقبلية بعيدة المدى لتحقيق التميز دون أن تفقد هويتها محافظة على الدفة دائما بين يديها .
لايمكن لأي منظمة أن تواجه رياح المنافسة العاتية وتحديات البيئة الخارجية المتزايدة ، دون أن يكون لها ثوابتها الراسخة التي تقودها إلى صياغة استراتيجيات مستقبلية بعيدة المدى لتحقيق التميز، دون أن تفقد هويتها، محافظة على الدفة دائما بين يديها . |
· صياغة رؤية طموحة .
· صياغة رسالة موجهه
· ثم تحديد الوضع الراهن الذي تقف عليه الغرفة في ضوء عوامل النجاح والتميز الأساسية في الصناعة .
· ومن ثم تحديد الفجوة الاستراتيجية سواء بين ما هو مأمول الوصول إليه وما هو واقع . أو ما بين وضعها ووضع المتنافسين معها .
· ثم تحديد ملامح الوضع التنافسي بينها وبين اللاعبين الأساسيين في الصناعة وهم كما سبق أن ذكرنا الباصات والليموزين ، بالإضافة لغرفة الحافلات السفرية ذاتها .
· ولم يغب عنا تحديد ملامح البيئة الخارجية المحيطة وما تمثله من فرص أو تهديدات لغرفة الحافلات .
· ثم صياغة الأهداف الاستراتيجية .
·
، فإذا ماتوافرت الرغبة العالية في التغيير واستقام الإدراك الصحيح للمتغيرات ، ووضحت معالم الطريق ، وتم اتخاذ قرارات استراتيجية صحيحة ، فلن يوقف نجاحها شئ بإذن الله. |
قيادة عملية تغيير وتحول استراتيجي متحدية في وقت وجيز ومتحدٍ:
لاشك أن مثل هذا الجهد في مثل هذا الوقت القصير جدا لتحقيق مثل هذه الأهداف العظيمة يعتبر تحديا أقرب للأحلام بكل المقاييس لكن كان من أهم ما ساعد على نجاح هذا التغيير:
1. عون الله أولا وقبل كل شيء.
2. الإخلاص الشديد والحرص الكبير لقائد الغرفة ولكافة الأعضاء على اجتياز التحدي.
3. الإيمان المطلق بأهمية ما يمارسونه من تعلم .
4. واقتناعهم الكامل لشخص من يقوم بقيادة تلك العملية الفريدة من نوعها في إحداث هذا التحول المعرفي والميداني .
5. وخاصة السمعة السابقة لنجاحات وتميز لمنظمات مارست نفس العملية مع نفس القيادة.
6. أن الأمر قد تعدى مجرد التعليم والتدريب إلى قيادة حقيقية للتغيير بكل ما تعنيه من: توضيح وتعليم وإيجاد مستوى موحد من المصطلحات والمفاهيم العلمية المشتركة.
7. العمل كفريق واحد متكامل وبمشاركة كافة أفراد مجلس إدارة الغرفة ، والمستشار.
8. تكاملية مداخل التغيير والبعد عن مجرد الأخذ بتطوير جزئي مبتور ( كتطوير الهيكل فقط ، وإهمال باقي الجوانب ، سواء كان الجانب الانساني أو التكنولوجي ) أو العكس.
9. مراعاة تكاملية النموذج الاستراتيجي بكل مراحلة ؛ صياغة ، تطبيق ، رقابة وتقييم .
10. رسم خريطة طريق جماعية ، وبث روح التحدي لمواجهة المخاطر ، والإيمان الكامل بالرؤية التي تم الاتفاق عليها، والتحفيز والتشجيع المعنوي للإرتفاع بمستوى الحضور من المشاركين، إلى درجة الإحساس بأنهم قادرون بإذن الله على التحدي لتحقيق التميز وتحويل الرؤية إلى واقع في وقت ليس بالطويل.
11. باختصار لقد توافرت الشروط النموذجية لنجاح معادلة التغيير ؛ وهي:
1. من عدم رضا عن الحال الذي وصلت الغرفة إليه ( Disappointment ) (D )
2. ومن رؤية (VISION ) واضحة تماما ومصاغة بشكل جيد ( V)،
3. وقدرة على بدايات تنفيذية ناجحة ومشجعة؛First Steps ( F )
4. وفي ظل مقاومة للتغيير تكاد تكون منعدمة تماما،
12. باختصار يمكن القول باطئنان كبير إن معادلة التغيير أصبحت كالتالي : {D × V × F > R}
كل ذلك كان من أهم أسباب النجاح لعملية التغيير والتحول ،
كان عون الله ثم الإخلاص الشديد والحرص الكبير لقائد الغرفة ولكافة الأعضاء على اجتياز التحدي والإيمان المطلق بأهمية ما يمارسونه من تعلم ، واقتناعهم الكامل لشخص من يقوم بقيادة تلك العملية الفريدة من نوعها في إحداث هذا التحول المعرفي والميداني ، والسمعة السابقة لنجاحات وتميز لمنظمات مارست نفس العملية مع نفس القيادة ، لأن الأمر قد تعدى مجرد التعليم والتدريب إلى قيادة حقيقية للتغيير بكل ما تعنيه من توضيح ورسم خريطة طريق جماعية ، وبث روح التحدي لمواجهة المخاطر ، والتحفيز والتشجيع المعنوي للإرتفاع بمستوى الحضور من المشاركين إلى درجة الإحساس بأنهم قادرون بإذن الله على التحدي لتحقيق التميز. كل ذلك كان من أهم أسباب النجاح لعملية التغيير والتحول |
وكان علي إذن أن أبني معهم ومن خلالهم أركان هذه المعالم واضعا نصب عيني أن هذه فرصة نادرة لإحداث عملية تغيير وتحول عظيمة بأقل تكلفة وجهد على مر تاريخ الشركات والمؤسسات، خاصة وقد حضر أمامي القيادات العليا جميعها لتلك المؤسسة راغبة ومؤمنة بضرورة وأهمية إحداث هذا التغيير الاستراتيجي باعتباره بالنسبة لهم قضية حياة أو موت دون أبة مبالغة .
بناء الرؤية:
لاشك أن أي عملية تغيير أو تحول استراتيجي دون أن يقودها رؤية طموحة بعيدة المدى تعلو على الواقع بآلامه وترمي بعيدا نحو ما يجب أن تكون عليه المنظمة من تميز مستقبلي . ستكون هذه العملية بلا جذور حقيقية للنجاح أو الاستمرار مع الوقت .
وللأسف فإن مفهوم الرؤية لايزال غائبا عن وعي وممارسة معظم إن لم يكن كل قيادات مؤسساتنا في المنطقة العربية . وحتى بعد أن أصبح معروفا ومنتشرا في الآونة الأخيرة ، فإنه تحول إلى مجرد موضة شكلية خالية في كثير من الأحيان من أي مضمون حقيقي يعبر عن المقصود من وجود رؤية .
وأما عن الحضور فكانوا ولأول مرة يسمعون عن هذا المصطلح .
وبعد أن تم تعريفهم بالنموذج المتكامل لإدارة الاستراتيجية بمراحله الثلاث كما أعرفه ( صياغة ، تطبيق، رقابة ) بدأت في عمل أول ورشة لصياغة الرؤية ، وقد كنت شديد الحرص على أن يتم الخروج برؤية طموحة وحقيقية يشاركون في صياغتها ويؤمنون بكل كلمة فيها بحيث تكون معبرة بالفعل عن مكنونات أنفسهم ، ولا يغادرون إلا وهي متمثلة نصب أعينهم تقود فكرهم ومدركاتهم ، وتحرك أفعالهم وسلوكياتهم نحو تحقيقها ، بل وتوجه كافة قراراتهم الاستراتيجية وأهدافهم المرحلية نحو ترجمتها إلى واقع .
ولتحقيق ذلك تم تقسيمهم إلى خمس فرق عمل تقريبا يتكون كل فريق من حوالي خمسة أعضاء ، ثم طلبت منهم أن يقوم كل فريق بصياغة رؤيتــــه (أو حلمه) الطموح جدا لغرفة الحافلات ، ثم تم عرض هذه الرؤى ومناقشة كل منها في ضوء مواصفات الرؤية الجيدة ، في محاولة لصياغة رؤية واحدة مشتركة تعبر عن طموحات الجميع وتمثل ما سوف يعتمدونه بشكل رسمي بعد ذلك من رؤية لغرفة الحافلات .
ولقد تم في سبيل ذلك مناقشة كل كلمة ، بل حرف حرف ، حتى تم الاتفاق على الرؤية المجمعة النهائية والتي كان مضمونها هو الآتي :
" أن نمتلك أسطول نقل جماعي، على أعلى درجة من الكفاءة والفعالية، ومستوى الخدمة التي لاتقل رقيا وأداءً،
عن أفضل الممارسات والمواصفات العالمية. "
ومن خلال التعمق في هذه الرؤية سوف نلاحظ الآتي :
§ أنها صيغت بدقة وعناية .
§ أنها كانت في غاية الإيجاز غير المخل .
§ أنها تضمنت الطموح الذي يجب أن تصل إليه غرفة الحافلات لتحقيق قمة التميز في الأداء .
§ أنها تضمنت مصطلحات وكلمات حاكمة وفاصلة وموجهة مثل :
v نمتلك أسطول نقل جماعي،
v أعلى درجة من الكفاءة والفعالية
v خدمة التي لاتقل رقيا وأداءً،
v عن أفضل الممارسات والمواصفات العالمية.
§ وأن مثل هذه الكلمات والمصطلحات سوف تمثل توجيها لصياغة كافة استراتيجيات وأفعال وسياسات إدارة غرفة الحافلات لتحقيق التميز المستمر.
§
فمن أهم خصائص الرؤية الجيدة أن تنجح ليس فقط في بناء قصور في الهواء ولكن أن تنجح أيضا في أن تصل بكافة أتباعك إلى الشعور بأنهم قد سكنوا بالفعل هذه القصور. وهذا يعتبر أهم شرط من شروط نجاح إدارة التغيير والتحول الاستراتيجي. |
مع ملاحظة أنها قد وضعت نصب أعين هؤلاء القادة الاستراتيجين أن يكونوا دائما في المنافسة ليس على مستوى المتنافسين المحليين وإنما على مستوى أفضل المتنافسين العالميين ، ويقيسون أنفسهم في التقدم والتميز بأفضل المعايير العالمية في مثل هذه الخدمة .
في الحقيقة تعتبر هذه الرؤية من نماذج صياغة رؤية جيدة يتوافر فيها كافة خصائص الرؤية الجيدة سواء من حيث المضمون أو أسلةب الصياغة أو مقدار ما تتمتع به من إيمان بها وإصرار على تطبيقها لدى كافة المشاركين .
فمن أهم خصائص الرؤية الجيدة أن تنجح ليس فقط في بناء قصور في الهواء ولكن أن تنجح أيضا في أن تصل بكافة أتباعك إلى الشعور بأنهم قد سكنوا بالفعل هذه القصور .
وهذا يعتبر أهم شرط من شروط نجاح إدارة التغيير والتحول الاستراتيجي.
وقد تحقق بالفعل في نهاية تلك الورشة .
الرسالة :
كما تم بالنسبة لصياغة الرؤية على اساس جماعي بمشاركة كافة أعضاء غرفة الحافلات ورئيسهم ، فقد تم مثل تلك الخطوات تماما بالنسبة لصياغة الرسالة الحاكمة للغرفة ، لنصل إلى أهم خطوتين من خطوات نموذذج إدارة الاستراتيجة باعتبارها من أهم الثوابت الحاكمة لكافة ما بعدها من عناصر النموذج .
ولقد روعي في الرسالة النهائية للغرفة والمتفق عليها أن تكون مصاغة في ضوء معايير الرسالة الجيدة .
ويمكن تلخيص تلك الرسالة فيما يأتي :
". نحن فى الغرفة القومية للحافلات السفرية السودانية نقدم خدمة متميزة لعملائنا – لضمان الراحة والمتعة والأمان ، وبأفضل المعايير والتقنيات الحديثة عالميا،
ونحن نستمد الاستمرارية فى البقاء والنمو والتقدم، من خلال تحقيق تطلعات عملائنا، باعتبارهم شركاءنا في النجاح،
مع مراعاة مصالح كافة الشركاء، بصدق وأمانة،
وذلك من خلال فريق عمل متميز وذي خبرة .
مراعاةً لمصلحة الوطن، ومرضاة الله ، والله المستعان "
ومن خلال تقييمنا لتلك الرسالة نجدأن هناك عدة ملاحظات أهمها :
· أن هذه الرسالة تم صياغتها بشكل جماعي يعبر عن مكنونات كافة المشاركين من أعضاء مجلس إدارة الغرفة .
· أنها تمثل بحق موجه ومرشد عام لكافة العاملين بالغرفة في طريقهم لتحقيق التميز
· أنها قد تضمنت تقريبا المقومات العشر للرسالة الجيدة[1]
· أصبح هناك قاعدة واضحة وراسخة من الثوابت التي يمكن أن يتم بناء عليها قيادة عملية التغيير والتحول الاستراتيجي.
تحليل الوضع الداخلي الراهن:
طلبت من المشاركين أن يحددوا أهم العوامل المؤثرة في نجاح هذه الصناعة واتفقوا على ثمانية عوامل كما هو موضح في شكل (1)
ثم طلبت منهم إعادة ترتيبها حسب الأهمية النسبية ، ثم طلبت أن يقوموا جميعا بقياسا بالنسبة لواقع غرفة الحافلات وذلك في ضوء مقياس من 4:1 حيث يمثل 1 ضعف كبير جدا ، 4 تمثل قوة كبيرة جدا ، وفي ضوء ذلك التحليل الواقعي والذي شارك فيه كافة أعضاء مجلس إدارة غرفة الحافلات العليا ، أمكن التوصل إلى درجة الوضع الداخلي الراهن كما تمثله مصفوفة العوامل الداخلية في جدول وشكل (1)
حيث يتضح من مراجعة جدول وشكل (1) الآتي :
1. أن الوضع الداخلي الكلي في ضوء العوامل الثمانية يمثل وضعا شديد الضعف (1,44).
2. أن جميع هذه العناصر تمثل نقاط ضعف ما بين 2،1.
3. أن أهم العوامل تأثيرا في نجاح هذه الصناعة كان الحافة حيث استحوذت على الوزن الأكبر وهو(0.2 ).
4. ثم يليها الإدارة (0.18)
5. ويليه السائق (0.15)
6. يشكل الثلاثة معا ( %53) من مجموع الوزن النسبي.
ويتضح حجم الفجوة الاستراتيجية الداخلية ( ضعف شديد ) التي يجب على القيادة جسرها.
جدول وشكل (1)
مصفوفة العوامل الداخلية لغرفة الحافلات السودانية الفعلية قبل التطوير
العوامل الداخليه |
الوزن |
درجه |
د.م |
|||
الحافلة |
0.2 |
1.4 |
0.28 |
|||
السائق |
0.15 |
1 |
0.15 |
|||
الإدارة |
0.18 |
2 |
0.36 |
|||
تكنولوجيا المعلومات |
0.04 |
2 |
0.08 |
|||
بيئة العمل الداخلية |
0.14 |
2 |
0.28 |
|||
أسلوب أداء الخدمة |
0.13 |
1 |
0.13 |
|||
الترويج والتسويق |
0.12 |
1 |
0.12 |
|||
البحوث والتطوير |
0.04 |
1 |
0.04 |
|||
1 |
1.44 |
|||||
شكل (1) الوضع الداخلي الفعلي لغرفة الحافلات قبل التطوير الاستراتيجي
المصدر : من خلال إعداد المشاركين من قيادة غرفة الحافلات أنفسهم
تحليل الوضع الخارجي الفعلي حينها :
وفي محاولة لاستكمال رؤية الصورة كاملة طلبت من قيادة غرفة الحافلات من السادة المشاركين تحليل البيءة الخارجية في ضوء أهم عوامل التأثير سواء كانت في شكل أقرب للفرص أم للتهديدات وعلى نفس نهج حساب مصفوفة العوامل الداخلية ، تم حساب مصفوفة العوامل الخارجية والتي يمكن توضيحها كما في جدول وشكل (2).
جدول (2) مصفوفة تحليل الوضع الخارجي الفعلي لغرفة الحافلات
العوامل الخارجيه |
الوزن |
الدرجه |
د.م |
|||
اللوائح والقوانين |
0.3 |
1 |
0.3 |
|||
الطرق |
0.25 |
1 |
0.25 |
|||
ثقافة المواطنين |
0.1 |
2 |
0.2 |
|||
الظروف السياسية |
0.15 |
2 |
0.3 |
|||
المنافسة |
0.2 |
2 |
0.4 |
|||
1 |
1.45 |
|||||
المصدر : من خلال إعداد المشاركين من قيادة غرفة الحافلات أنفسهم
شكل (2) الوضع الخارجي الفعلي لغرفة الحافلات
المصدر : من خلال إعداد المشاركين من قيادة غرفة الحافلات أنفسهم
حيث يتضح من هذا التحليل أن البيئة الخارجية لغرفة الحافلات يميل بشل واضح إلى وضع يمثل تهديدا كبيرا وهو ( 1.45 ).
تحليل SWOT) ):
ومن خلال كل من تحليل الوضع الداخلي ، والخارجي يمكن القول إن وضع غرفة الحافلات على مصفوفة SWOT) ) يمثل وضعا حرجا بالفعل حيث كان موقعها في الخانة الأسوأ وهي ضعف شديد وتهديدكبير : كما يتضح من شكل (3)
|
|||||||||
|
|||||||||
|
|||||||||
|
|||||||||
|
|||||||||
|
|||||||||
|
|||||||||
|
شكــل (3) وضع غرفة الحافلات على مصفوفة SWOT) )
المصدر : من خلال إعداد المشاركين من قيادة غرفة الحافلات أنفسهم
وفي ضوء هذا التحليل الذي شخص كل من الوضع الداخلي والخارجي اتضحت أبعاد الصورة ، والهدف والقرار الاستراتيجي الذي يجب على قيادة الغرفة أتخاذه مبدئيا في ضوء هذا الوضع حيث يكون أمام هذه القيادة أمران :
الأول :
هو القرار الاستراتيجي المناسب لهذا الوضع والذي تقرر مبادئ التحليل الاستراتيجي حيث تكون الاستراتيجية المناسبة حينئذ هو استراتيجية دفاعية وكذلك البناء والدعم ( بمعالجة نقاط الضعف ) وفي نفس الوقت اتباع استراتيجية بعيدة المدى لتحسين الوصع التنافسي .
الثاني :
هو العمل على تحريك هذا الوضع لتقليل هذه الفجوة الاستراتيجية الكبيرة وذلك من خلال تحريك الوضع الداخلي نحو اليمين وما هو ما يجب البدء به أولا ثم العمل بالتالي على تحريك الوضع الخارجي إلى أعلى .
الهدف الاستراتيجي:
ومن ثم فإن الهدف الاستراتيجي الذي أصبح نصب أعين قيادة الغرفة والذي تحركوا أساسا من الخرطوم إلى القاهرة من أجله هو زيادة الحصة السوقية من سوق السفريات بين المحافظات بحيث لا تقل عن 40% من حجم هذا السوق فيما لايزيد عن خمس سنوات .
وهو في الحقيقة هدف في منتهى التحدي لم يكن ليخطر على بال قيادة الغرفة مجرد التفكير فيه من قبل ، خاصة إذا نظرنا بعين الاعتبار للوضع التنافسي الراهن للمتنافسين الثلاث كما يصوره جدول (3) و شكل (4)
جدول (3) مصفوفة الملامح التنافسية ( CPM) لغرفة الحافلات مقارنة بأهم المنافسين
العوامل الأساسيه |
الوزن |
غرفة الحافلات |
غرفة الباصات |
الليموزين |
|||
الدرجه |
الدرجه م |
الدرجه |
الدرجه م |
الدرجه |
الدرجه م |
||
الحافلة |
0.2 |
1.4 |
0.28 |
4 |
0.8 |
4 |
0.8 |
السائق |
0.15 |
1 |
0.15 |
1 |
0.15 |
3 |
0.45 |
الإدارة |
0.18 |
2 |
0.36 |
1 |
0.18 |
2 |
0.36 |
تكنولوجيا المعلومات |
0.04 |
2 |
0.08 |
3 |
0.12 |
3 |
0.12 |
بيئة العمل الداخلية |
0.14 |
2 |
0.28 |
3 |
0.42 |
3 |
0.42 |
أسلوب أداء الخدمة |
0.13 |
1 |
0.13 |
2 |
0.26 |
3 |
0.39 |
الترويج والتسويق |
0.12 |
1 |
0.12 |
2 |
0.24 |
3 |
0.36 |
البحوث والتطوير |
0.04 |
1 |
0.04 |
1 |
0.04 |
2 |
0.08 |
1 |
1.44 |
2.21 |
2.98 |
شـــــــــــــكل (5) مصفوفة الملامح التنافسية ( CPM) لغرفة الحافلات مقارنة بأهم المنافسين
المصدر : من خلال إعداد المشاركين من قيادة غرفة الحافلات أنفسهم
من التشخيص والصياغة إلى وضع آليات التطبيق واتخاذ القرارات:
بعد أن اجتزنا مع السادة المشاركين من قيادة غرفة الحافلات مرحلة التشخيص الدقيق والواقعي للوضع الراهن للغرفة سواء الداخلي أو الخارجي أوكليهما معا (Swot) أو مقارنة بالمتنافسين (CPM) كان لابد أن نخرج بمسار واضح ومحدد لقرارات استراتيجية تبنى على هذا التحليل ويكون من شأنها تحقيق الهدف الاستراتيجيالسابق تحديده.
وبمصطلح إدارة الاستراتيجية فإن الفيصل في ذلك هو بناء ميزة تنافسية حقيقية تمكن أصحاب غرفة الحافلات من الاستحولذ على القيمة وتعظيمها لهم ، زاستبقائها مع الوقت .
فالقيمة الاستراتيجية أشبه بطائر سريع الحركة والتنقل ولا يجامل أحدا فهو على استعداد دائم للهجرة من مكان لايجد فيه مراده إلى مكان لايجد فيه مراده إلى المكان الذي يجد فيه ما يحقق أولوياته (Value Migration) كما يوضحها شكل (6)
وكما يتضح من شكل (6) فإن إعادة تقييم نموذج الأعمال يعتبر عملية ديناميكية مستمرة مرتبطة بشكل مباشر بمدى قدرة أي شركة على استقطاب القيمة وأسرها طالما كان نموذج الأعمال (Business Design) المبتكر الخاص بها أكثر استجابة لأولويات العملاء المتغيرة مع الوقت من المنافسين.
إن المعادلة التي يجب أن ينطلق منها التصور الاستراتيجي لبناء نموذج الأعمال في ضوء محاولة قيادة غرفة الحافلات للتميز في الصناعة،يمكن تلخيصها في الآتي:
{ V1/C1> Vn/Cn}
حيث V1= القيمة التي سوف تقدمها غرفة الحافلات السفرية لمسافريها .
C1 هي التكلفة التي سوف يتحملها عميل غرفة الحافلات مقابل الحصول على هذه الخدمة. وطبقا لهذه المعادلة فإن هذه القيمة V1 مقسومة على C1 يجب أن تزيد ليس فقط على واحد صحيح بل يجب أن تزيد Vn أي القيمة التي يقدمها كافة المتنافسين ، مقسومة على Cn تكلفة الحصول على هذه القيمة من هؤلاء المنافسين.
ومن هنا فإن القرار الاستراتيجي لقيادات غرفة الحافلات يجب أن يكون موجها لتعظيم القيمة من هذا المفهوم .
وفي الحقيقة كانت مسئوليتي هنا مركبة ومعقدة ، حيث يجب علي في هذا الوقت شديد القصر والتركيز أن أحقق كل هذه الأهداف والاستراتيجيات المتحدية التي تعمل على إعادة صياغة Business بشكل دوري وجذري، وضمان تحقيق ذلك وجنى ثماره بنجاح منقطع النظير .
وهذا هو ما بدأنا في تنفيذه في المرحلة الثالثة والأخيرة بعد مرحلة صياغة الثوابت وتحليل المتغيرات ( المستقلة والتابعة ) وكانت تحديد واضح لمعالم طريق التحول الاستراتيجي للوصول إلى بناء الميزة التنافسية المنشودة والخروج من عنق الزجاجة ، والانطلاق والنمو الاستراتيجي المتصل والمستمر .
وكانت البداية من الداخل :
حيث تم عمل ورشة عمل من قيادات غرفة الحافلات لوضع خطة واضحة لتحويل كافة نقاط الضعف الكبيرة التي تم حصرها من ثمان نقاط إلى نقاط قوة خلال وقت محدد وبآليات واضحة ومحددة بحيث يتحول الوضع الداخلي لغرفة الحافلات من الضعف الشديد ( 1.44 ) إلى قوة كبيرة لاتقل عن (3.52) كما يمثلها جدول و شكل رقم (7)
جدول و شكل رقم (7)الوضع الداخلي المستهدف لغرفة الحافلات
العوامل الداخليه |
الوزن |
الدرجه |
د.م |
|||
الحافلة |
0.2 |
4 |
0.8 |
|||
السائق |
0.15 |
4 |
0.6 |
|||
الإدارة |
0.18 |
3 |
0.54 |
|||
تكنولوجيا المعلومات |
0.04 |
4 |
0.16 |
|||
بيئة العمل الداخلية |
0.14 |
3 |
0.42 |
|||
أسلوب أداء الخدمة |
0.13 |
4 |
0.52 |
|||
الترويج والتسويق |
0.12 |
3 |
0.36 |
|||
البحوث والتطوير |
0.04 |
3 |
0.12 |
|||
1 |
3.52 |
|||||
المصدر :من إعداد قيادات غرفة الحافلات في ضوء برنامج عمل محدد لكل عامل
تم عمل عصف ذهني حول كل عنصر من العناصر الثمانية وكانت البداية بأهم العناصر وزنا وهو الحافلة نفسها. وكنموذج لمنهجية المناقشة التي اعتمدت آلية العصف الذهني الحر لتوليد أفكار مبتكرة. خارج إطار المألوف وحدوده. بحيث تولد استراتيجيات مبتكرة. تضمن ميزة تنافسية وتعظيم القيمة المنشودة لأصحاب غرفة الحافلات . |
وكان الحوار التالي :
· قادة الغرفة : ما الذي يمكن عمله في الحافلة وهي نقطة الضعف الأكبر
· أنا : نغيرها أو نطورها
· هم : وكيف وإمكاناتنا ضعيفة ودرجة المرونة في التصرف مع الحافلة محدود ، فلا يمكننا تقديم الخدمة بنفس مستوى ما يقدم في الباص.
· أنا : لماذا؟
· لضيق الحافلة ،وتقادم معظمها وعدم راحة مقاعدها .
· أنا: ولماذا لانجعلهاتتمتع بما يتمتع به الباص من مزايا؟
· هم :لأننا مقيدون قانونا بحجم معين لايمكننا تخطيه
· أنا: وما هو الحجم القانوني للباص الذي لا يمكننا أن نصل إليه؟
· هم : 50 راكب على الأقل
· أنا :لإذا أقل من 50 راكب لا يعتبر باصا ،بل حافلة أليس كذلك
· قالوا نعم
· قلت :ولماذا لا نعيد تصميم حافلات جديدة ونتعاقد على تصنيعها خصيصا لغرفة الحافلات ليكون حجمها 49 راكب وتتمتع بنفس مزايا الباص بل يمكن أن نعمل على تصميمها بشكل أفضل من حيث وجود حمام ،وشاشة عرض ، بل ومكان لتناول الطعام والقراءة والمشروبات بحيث يمكن أن يكون هناك مضيفا.
· قالوا: وأين لنا بالإمكانات المالية لفعل كل ذلك وأين يمكننا تصميم مثل هذه الحافلة ومن يصنعها لنا ؟
· أنا: إن من أبغض الحجج التي تحجب الإبداع والانطلاق الاستراتيجي وأشهرها " عدم وجود إمكانات مالية " لكن في الحقيقة على صانع القرار الاستراتيجي إذا حدد الهدف أن يبدع في الوسائل البديلة للتمويل وماأكثرها .
· قالوا : كيف نتصرف بشكل محدد في هذا الموقف ونحن بالفعل نعاني من أزمة مالية وخسائر متراكمة على مدى أعوام سابقة وعربات متهالكة .
· قلت : فلنتجه للمستقبل وعلينا حينئذ أن نستفيد ونفعل كوننا غرفة لصالح مجموعة ولا نتعامل كأفراد متناثرين ، لكل منهم بعض الحافلات ، جديدة أو متهالكة بل علينا أن نعمل على إعادة شخصية الغرفة بحيث تصبح كيانا اعتباريا يمكنه التصرف والتعاقد بشكل جماعي مع بعض البنوك مثلا لتمويل أول صفقة من هذه الباصات التي يمكن أن نتعاقد على تصنيعها مع بعض الشركات الصينية التي لاتدخر وسعا في عمل ما يحتاجه أي عميل مثلكم .
· قالوا :والله فكرة ...!
لماذا لانقوم فعلا بمحاولة جادة لتطبيقها ، حيث سوف تقلب الطاولة رأسا على عقب وتمثل ضربة قاضية للمنافسين .
· قلت "على أن يصاحبها مجموعة من السياسات أهمها :
· أن نحافظ على أن يكون موديل الحافلة جديدا ولا يزيد بأي حال من الأحوال عن عامين "
· قالوا: كيف ذلك وماذا بعد ؟
· قلت : يتم عرضه للبيع في مزاد عام، ثم يعاد ثمنه كمقدم لباصات جديدة بحيث يتم الحفاظ بشكل دائم على باص الحافلات في أفضل صورة وأحسن حال حيث يحقق كل ما ورد في الرؤية والرسالة من راحة ومتعة السفر .
راقت الفكرة للجميع ، وسجلنا أن العمل لابد وأن يبدأ بمجرد العودة لوضعها موضع التطبيق خاصة وأن صانعي القرار الاستراتيجي من بيدهم السلطة والمسئولية هم من يتخذ القرار ويقدر على التنفيذ ، وضعنا لذلك ما لايزيد عن عام .
وهكذا تعاملنا مع باقي العوامل واحدا تلو الآخر تفصيلا محددين البدائل الاستراتيجية اللازمة لتحسين وضع كل عامل فمثلا السائق تم التوصل إلى مقترحات مبتكرة وكان أهمها عمل ما يمكن تسميته بأكاديمية السائق المحترف ، حيث يتم فيها تدريب عملي ونظري متكامل لما يجب أن يكون عليه السائق شكلا ومضمونا باعتبارها عنصرا مهما لتقديم الخدمة فهو الممثل للغرفة أمام العميل في رحلة طويلة وشاقة ومن ثم يجب أن يتعلم فن التعامل مع العميل ، وحسن تقديم الخدمة والتفنن في راحة العميل والحرص على إشعاره بالمتعة أثناء الرحلة وسرعة الاستجابة والتواصل ....الخ
وقلنا إن الشهادة التي سوف تمنحها هذه الأكاديمية يمكن أن تكون بمقابل يغطي تكلفتها بحيث تمثل أداءاً للمسئولية الاجتماعية للغرفة في تطوير كفاءة المواطن السوداني وإعداده لوظيفة محترمة سواء كان سوف يعمل لصالح الغرفة أو لغيرها .
ثم كان تركيزنا بعد ذلك على ضرورة تطوير الخدمة المصاحبة ،كعملية الحجز ، وأماكن الانتظار ، بحيث تكون مريحة ومنظمة ومتطورة تشعر العميل بالاهتمام والحرص على راحته بل ويجب الاستفادة في ذلك أيضا بتقنيات المعلومات الحديثة كأن يتم الحجز إلكترونيا كالطائرات والقطارات ، وهذا ليس بالأمر المعقد أو الصعب.
كما أكدنا على ضرورة وضع خطة تنفيذية تفصيلية (Action Plan) لكل عنصر من هذه العناصر تتضمن الإجابة على عدة أسئلة :
§ من المسئول عن تنفيذها ؟
§ ماهي الموارد المطلوبة لذلك ؟
§ ما هو الوقت الذي يجب أن تتم فيه ؟
§ أين سيتم التنفيذ ؟
§ وكيف ؟
§ وما هي آليات المتابعة ؟
تحسين الوضع الخارجي المستهدف:
وعلى افتراض أن يتم تحسين هذا الوضع الداخلي وهو الأمر الممكن باعتباره يخضع لقرار يتعلق بتغيير أنفسنا ، فإننا حاولنا وضع تصور لما يجب أن يكون عليه الوضع الخارجي جدول وشكل(8)
العوامل الخارجيه |
الوزن |
الدرجه |
د.م |
||||
اللوائح والقوانين |
0.3 |
3 |
0.9 |
||||
الطرق |
0.25 |
2 |
0.5 |
||||
ثقافة المواطنين |
0.1 |
2 |
0.2 |
||||
الظروف السياسية |
0.15 |
2 |
0.3 |
||||
المنافسة |
0.2 |
4 |
0.8 |
||||
1 |
2.7 |
||||||
|
|||||||
جدول وشكل(8) الوضع الخارجي المستهدف لغرفة الحافلات
وضع الغرفة المستهدف على مصفوفة (SWOT) :
ومن ثم تم في ورشة العمل تحديد وضع الغرفة المستهدف على مصفوفة (SWOT) كما يوضحها شكل (9)
تم استهداف وضع يقع في خانة رقم 4 حيث القوة والفرص...!
شكل (9) وضع الغرفة المستهدف على مصفوفة (SWOT) :
وفي الحقيقة أقول إنني لم أكن مؤملا أن يتم ذلك بهذا الشكل الجذري بناءً على هذا اللقاء الذي مثل جهدا ووقتا قصيرا ومركزا بكل المقاييس ، ولكن لايزال هناك السؤال الأهم ، ما الذي حدث بعد ذلك على أرض الواقع ؟ وهل تحقق ما تم الاتفاق عليه ؟وكيف كانت النتيجة ؟ أسئلة مهمة ويتشوف أي مهتم بالإدارة ممارسةً أو دراسة بالإجابة عليها . |
ليس هذا فحسب بل صممنا على أن نحدد ما يجب أن يكون عليه الوضع التنافسي (CPM) لغرفة الحافلات مقارنة بمنافسها وذلك في نهاية إجراء عمليات التطوير الاستراتيجي التي تم الاتفاق عليها وكانت كما يصورها جدول وشكل (10) وحينئذ أحسست أن الصورة أصبحت من الوضوح أمام قيادات غرفة الحافلات بشكل يمكنهم – إن توافر لديهم الصدق والإصرار وثبات الإرادة والعزيمة من تحقيق تغيير وتحول حقيقي يمكن الغرفة من إعادة صياغة صناعتها وقيادتها والاستحواذ على القيمة فيها .
وفي الحقيقة أقول إنني لم أكن مؤملا أن يتم ذلك بهذا الشكل الجذري بناءً على هذا اللقاء الذي مثل جهدا ووقتا قصيرا ومركزا بكل المقاييس ، ولكن لايزال هناك السؤال الأهم ، ما الذي حدث بعد ذلك على أرض الواقع ؟
وهل تحقق ما تم الاتفاق عليه ؟وكيف كانت النتيجة ؟ أسئلة مهمة ويتشوف أي مهتم بالإدارة ممارسةً أو دراسة بالإجابة عليها .
جدول وشكل (10) الوضع التنافسي المستهدف (CPM) لغرفة الحافلات
العوامل الأساسيه |
الوزن |
غرفة الحافلات |
غرفة الباصات |
الليموزين |
||||||
الدرجه |
الدرجه م |
الدرجه |
الدرجه م |
الدرجه |
الدرجه م |
|||||
الحافلة |
0.2 |
4 |
0.8 |
4 |
0.8 |
4 |
0.8 |
|||
السائق |
0.15 |
4 |
0.6 |
1 |
0.15 |
3 |
0.45 |
|||
الإدارة |
0.18 |
3 |
0.54 |
1 |
0.18 |
2 |
0.36 |
|||
تكنولوجيا المعلومات |
0.04 |
4 |
0.16 |
3 |
0.12 |
3 |
0.12 |
|||
بيئة العمل الداخلية |
0.14 |
3 |
0.42 |
3 |
0.42 |
3 |
0.42 |
|||
أسلوب أداء الخدمة |
0.13 |
4 |
0.52 |
2 |
0.26 |
3 |
0.39 |
|||
الترويج والتسويق |
0.12 |
3 |
0.36 |
2 |
0.24 |
3 |
0.36 |
|||
البحوث والتطوير |
0.04 |
3 |
0.12 |
1 |
0.04 |
2 |
0.08 |
|||
1 |
3.52 |
2.21 |
2.98 |
|||||||
نتائج العمل الاستراتيجي المحترف والمتكامل:
كانت المفاجأة لي في منتصف عام 2015 تقريبا حيث التقيت في القاهرة بالشخص الذي رتب اللقاء الأول وأخبرني بما تم خلال تلك الفترة ونتائجه وكانت باختصار كالتالي:
1. تم بالفعل العمل على تصميم حافلة خاصة 49 راكب انتجتها شركة صينية مجهزة بأفضل وأحدث التجهيزات التي تم التخطيط لها : حمام ، شاشة عرض، أماكن طعام، واي فاي ، مقاعد مريحة ، تصميم جذاب...الخ
2. حتى 2015 وصل عدد هذه الحافلات إلى حوالي 1700 حافلة.
3. تم الاتفاق مع بنك فيصل الإسلامي ، لتقديم تسهيلات لتمويل شراء هذه الحافلات لحساب كافة أعضاء الغرفة باعتبارهم يتملكونها بشكل جماعي تضامني وليس فردي.
4. جاري محاولات مع بنك السودان لتمويل شراء 2000 حافلة إضافية.
5. وصلت الحصة السوقية من الحافلات من سوق الركاب الطوالي إلى أكثر من 40% مع نهاية عام 2014 ، وهذا يعتبر انجاز فز بكل المعايير العالمية.
6. بدأت غرفة الباصات يعتريها الإحباط ودب الخلاف فيما بين الشركات الفرعية المتنافسة داخلها دون خطة استراتيجية واضحة.
7. بدأت العديد من شركات الباصات الفرعية في الانسحاب بعد التعرض لخسائر فادحة.
8. تم الالتزام الحرفي بسياسة "ألا يزيد الموديل عن سنتين" حيث كان البنك الممول يقوم بعمل مزاد عام للحافلات التي تعدى موديلها العامين، وكانت البلديات تتنافس عليه.
9. كان البنك يعتبر ثمن البيع مقدمة لتمويل حافلات جديدة ، لتظل الحافلات دائما في وضع تنافسي مميز ومتميز مع الوقت.
10. تم عمل أكاديمية لتدريب السائق المحترف بمقابل ولاقت اقبالا ونجاحا كبيرا.
11. تم إعلان الرؤية والرسالة على الحافلات وفي أماكن الانتظار والحجز.
12. أصبحت الحافلات السودانيه نموذج للتغيير الناجح فتحولت من الفشل الى النجاح عن طريق تغييرالنماذج العقلية للقيادة الاستراتيجية العليا، وتطوير الحافلات ، وتطوير الاداره والموظفين ، وتدريب السائقين والمضيفين،والاستعانة بنظم تكنولوجيا المعلومات المتطورة...
13. فتحولت من حصة حوالي 5 % الى حصة حوالي 40% فيما لايزيد عن 5 سنوات، ومن المركز الاخير الى المركز الاول، في الحصة السوقية والأداء المتميز.
14. كما أصبحت مثالا نموذجيا للتحول من التابع الضعيف المتهالك لقائد مسيطر، إلى متحدٍ استطاع أن يعيد صياغة قواعد اللعبة التنافسية ويتحول إلى التحكم في الصناعة والهيمنة عليها ، من خلال ما حققه من ابداع وابتكار استراتيجي خارج عن المألوف.
15. وأخيرا ، وليس آخر، لقد استطاعت قيادة غرفة الحافلات من خلال اتباع تغيير استراتيجي مخطط وشامل وباحتراف ، أن تعيد الاستحواذ على القيمة التي تفلتت منها ، بل وجعلتها تهاجر من غرفة الباصات التي كان لها منها النصيب الأكبر لتصل إليها، ولتؤكد بشكل ليس فيه أدنى شك أن الرافعة الاستراتيجية هي رافعة شبه سحرية، إذا توافر لها محددات ومتطلبات النجاح...!
هذا باختصار شديد، كنموذج من بيئتنا العربية العادية على النجاح والتميز ، كي يكون لدينا مزيد من الثقة في أنفسنا وأننا حقا قادرين على الإنجاز والتميز، إذا أخذنا بأسباب هذا التميز والنجاح ، وخاصة الإدارة الرشيدة المحترفة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فهل نتعلم؟!
أ.د. محمد المحمدي الماضي
أستاذ إدارة الاستراتيجية جامعة القاهرة
والاستشاري الاستراتيجي
[1] لمزيد من التفصيل راجع / محمد المحمدي الماضي إدارة الاستراتيجية ، ( القاهرة : دار الثقافة العربية ط12 2013 ) الفصل الثالث