حكمة اليوم

قرأنا لك

الخطوات الثمانية لتصميم برامج تدريبية فعالة - عبد الرحمن محمد المحمدي... المزيد

قائمة المراسلة
الاسم
البريد
الجوال

مشاهدة : 3533

أثر دخول سوبر ماركت سينسبري على استراتيجيات المنافسة فى السوق المصرية : دراسة حالة

 

أثر دخول متاجر السوبر ماركت الأجنبية العملاقة على استراتيجيات المنافسة فى السوق المصرية : دراسة حالة دخول سوبر ماركت سينسبري 28/1/2000 وحتى 31/3/2000[1]

 أ.د. محمد المحمدي الماضي


 

ملخص تجريدى Abstract

          نشأت فكرة هذا البحث أصلا من حدث اعتبره الباحث تاريخيا فى حينه وهو نشأة المركز الرئيسى لسلسلة متاجر السوبر ماركت الإنجليزية الشهيرة والمعروفة باسم سينسبرى، وكان ذلك فى 28/1/2000 فى منطقة الهرم، حيث قدر للباحث مشاهدة هذا الحدث ومتابعته لحظة بلحظة وخاصة لحظة الافتتاح المذهلة، وما قبلها، وما تلاها .

          ونظرا لتفرد هذا المتجر الأجنبى بمجموعة من الخصائص والسمات الإدارية المتميزة والحديثة التى تعتبر عنوانا طبيعيا لمثل هذه المتاجر العالمية العملاقة، فى وسط مجموعة من المتاجر المصرية التقليدية التى ألفت العمل فى بيئة راكدة، طوال ما يقرب من نصف قرن من الزمن، تحقق فيها أرباحا غير قليلة ليس لكونها متميزة ولكن لكون البيئة التى تعمل فيها مناسبة، فلقد حدثت مجموعة من ردود الأفعال السريعة والشديدة بمجرد الافتتاح، سواء كان ذلك على المستوى الإعلامى، أو الاقتصادى، أو الغرف التجارية والصناعية، أو الجمهور، أو صغار وكبار التجار، وحتى عموم الناس باعتبارهم متأثرين بشكل مباشر بالحدث، سلبا وإيجابا .

          ونظرا للاهتمام الخاص للباحث بموضوع إدارة الاستراتيجية تأليفا وتدريسا، وبحثا من بداية التسعينيات، وكذلك المتابعة القدرية اللصيقة للتجربة يوما بيوم، نشأت فكرة كتابة ورقة مناقشة تقدم إلى مؤتمر الاتجاهات الحديثة فى الإدارة والذى كان مقررا انعقاده فى 6-7 ابريل 2000 أى بعد حوالى شهرين من الافتتاح، والذى تنظمه اللجنة العلمية الدائمة لإدارة الأعمال سنويا .

          وبدلا من تقديم ورقة للمناقشة وجد الباحث نفسه فى خضم من الأدبيات التى تؤصل للموضوع والبيانات والآثار العملية والتوابع العنيفة التى زلزلت هيكل صناعة السوبر ماركت فى مصر تماما فى هذه الفترة، ومن ثم كان لزاما أن يخرج بحث علمى شبه متكامل يناقش هذه الظاهرة ويحللها ويفسرها، ويوضح اللغة التى يجب أن يتم التحدث بها لمخاطبتها خاصة وهى اللغة الوحيدة التى سوف لا يتم التحدث بغيرها فى المستقبل القريب جداً على كافة المستويات وخاصة بعد انتهاء المهلة الأخيرة لتطبيق اتفاقية الجات .

          ومن هنا تحول إلى بحث تم قبوله ومناقشته فى المؤتمر، ونشره فى كتابه واعتبر حينئذ من أحدث ما قدمه المؤتمر .

          لقد حاول الباحث فى هذا البحث أن يحدد سمات المنافسة واستراتيجيتها لدى الشركات الأجنبية العملاقة وتأصيل ذلك من أدبيات إدارة الاستراتيجية وإلى أى مدى توافرت تلك الأركان فى السوبر ماركت الجديد، وما هو الأثر السريع والمباشر على هيكل الصناعة التى يعمل بها، سواء كانت متمثلة فى متاجر أخرى صغيرة أو كبيرة، أو موردين، أو تجار جملة .

          وما هو أثر ذلك على مستقبل هذا النوع من الأعمال، وما هى أهم الاستراتيجيات والأعمال التى يجب القيام بها للتصدى لمثل تلك الهجمة التنافسية الشرسة التى سوف تكون سمة المستقبل وفى كل مجال .

          ومن هنا حاول الباحث أن يتلمس معالم طريق التميز أو حتى مجرد البقاء لشركاتنا ووضع مجموعة من التوصيات المهمة لمواجهة مثل هذه الظاهرة سواء على مستوى تجارة التجزئة أو غيرها .


أولاً : مقدمة :

          إن التحول الكبير الذى تشهده بيئة الأعمال فى مصر يلقى بكثير من الانعكاسات على كافة المنشآت العاملة فى الصناعات المختلفة، فالتغير الذى تشاهده تلك البيئة – متأثرا بما يحدث من تغيرات عالمية – يأخذ منحنى أقل ما يمكن أن يوصف به إنه كبيرا فى حجمه، سريعا فى حركته، مستمراً فى حدوثه، ضخما فى تأثيره .

          فبعد أن كان التحذير مستمرا أو متصلا عن تلك المخاطر التى ستحدث على بيئة الأعمال المصرية مع بدء موعد سريان اتفاقية الجات التى منحت الدول النامية ومنها مصر مهله عشر سنوات لتأهيل منشآتها للمنافسة المفتوحة بعد ذلك، والمناداة بضرورة الاستعداد والإعداد لمواجهة تلك المخاطر التى لم يبق سوى حوالى خمس سنوات من المهلة الممنوحة للإعداد لها، وأذ بنا نجد أنفسنا فى وسط منافسة عاتية لإحدى الصناعات المهمة فى مصر وفى أى دولة وهى صناعات التجزئة فى المواد الغذائية وكل ما يحتوى هيكلها من منشآت، وذلك دون مقدمات، مما أدى ولأول مرة إلى وجود حالة عملية فريدة تتحرك فيها أليات المنافسة المباشرة بين نوعين من المنشآت .

النوع الأول : وهو المنشآت المصرية التى تتدرج من حيث الحجم بين المنشآت متناهية الصغر، وهى المحلات البقالة الصغيرة – فنصف الجملة – فالجملة ومتاجر التجزئة متوسطة الحجم نسبيا إلى مصانع المواد الغذائية، ومن حيث الكفاءة والقدرات الإدارية والمالية فإن أقل ما يقال عنها إنها شديدة التواضع ولا تزال تعتمد مبدأ التجربة والخطأ فى الإدارة .

والنوع الثانى : وهو المنشآت الأجنبية التى جاءت إلى السوق مسلحة بأبجديات المنافسة التى أفرزتها قريحة علماء الإدارة فى الغرب ومارسها رجال الإدارة فى الواقع وخبره ممتدة تصل إلى أكثر من مائة عام، وباسم وشهرة ذات مكانة فى دنيا الأعمال، وبحجم وإمكانات وموارد ضخمة تكاد تكون بلا حدود، وتكنولوجيا إدارية وفنية متقدمة وراقية .

          تماما كأن جيشا حديثا مسلحا بكل ما أفرزته الأبحاث والتكنولوجيا الحديثة فى مواجهة جيش يحارب بأسلحة بدائية لا تعدو فى تطورها الأسلحة التى كانت مستخدمة فى العصور الوسطى .

          فما الذى يمكن أن تسفر عنه منافسة من هذا النوع، من فرص، أو تهديدات ؟ وما هى ردود الأفعال المحتملة على ذلك ؟ وما أثر كل ذلك على القدرات التنافسية للمنشآت المصرية ؟ وما هو مستقبل هذه المنشآت فى ظل هذه البيئة التنافسية الحادة ؟

هذه الأسئلة المهمة وغيرها مما يثور وما قد يثار يحتاج منا نحن الأكاديميين المتخصصين أن نتصدى لدراستها وبحثها ومحاولة وضع إجابة علمية موضوعية عنها تكون بمثابة المساهمة من جانبهم لفهم ما يحدث وتكوين إطارا متكاملا يوضح اليات هذه المنافسة الاستراتيجية واحتمالات توجهها ومساراتها المستقبلية، وإستراتيجيات مواجهة ذلك .

          وهذا هو ما يحاول الباحث المساهمة به فى هذا البحث بإذن الله تعالى .

ثانياً : مراجعة الأدبيات : Literature Review  

          قبل أن نستكمل إجراءات تشخيص الوضع الراهن ونتائجه علينا أولا أن نحاول تتبع ذلك الفكر الذى قامت عليه أليات المنافسة واستراتيجياتها فى الغرب فى الحقبة الأخيرة، والتى يمكن أن تفسر لنا ما تستند إليه هذه الشركات من خلفية علمية وعملية معينة فى المنافسة، كما تعتبر فى نفس الوقت أساس لتكوين الإطار العام للبحث، بإعتباره من تلك الأبحاث التى تدرج فيما يمكن اعتباره اختبارا لنظريات استراتيجيات المنافسة التى أخذت تبلور لنفسها فى هذه الفترة ما يشبه النظرية خاصة بعد تلك الكتابات المتعمقة والمتتابعة لكبار مفكرى الإدارة الاستراتيجية كما سوف نتناوله فيما يلى .

إسهامات ميشيل بورتر :

          يعتبر ميشيل بورتر من رواد الفكر الاستراتيجى المرموقين فى نهاية القرن العشرين وخاصة مع ظهور كتابة الأول عن استراتيجية المنافسة (Porter, 1980) ثم كتابة بعد ذلك عن الميزة التنافسية، وكيف يتم إيجاد وتدعيم والمحافظة على الأداء المتميز (Porter, 1985) ثم كتابه الثالث عن الميزة التنافسية للأمم (porter, 1990) ثم عدة مقالات متنوعة أثناء وبعد نشر هذه الكتب جميعها حول الفكر الاستراتيجى وخاصة ما يتعلق منها باستراتيجيات المنافسة والمزايا التنافسية .

          ويعتبر ما قدمه بورتر فى هذا الصدد نقطة تحول فى مثل هذا الفكر لا يمكن تجاهلها مهما اختلف معه بعد ذلك من اختلف من المفكرين .

          ومن أهم إسهاماته فى هذا الصدد وما أدخله من عدة مفاهيم وأدوات لتحليل هيكل أية صناعة والاستراتيجيات الأساسية (Core strategies) لتحقيق والمحافظة على الميزة التنافسية لأى منشأة والتى يمكن أن نشير إليها بإيجاز فيما يلى :

1 – القوى التنافسية الخمس التى تحدد ربحية الصناعة :

          وهذه القوى تعتبر الأساس لتحليل هيكل أى صناعة وتحديد اتجاهات ومصادر الفرص أو المخاطر التى يمكن أن تهدد المنافسة ومن ثم الربحية بهذه الصناعة، ولقد حددها بورتر فى خمس كما يوضحها شكل (1) هى :

- تهديد منافسين جدد

Threats of New Entrants

- القوة التفاوضية للموردين

Bargaining power of suppliers

- القوة التفاوضية للمشترين

Bargaining Power of Buyers

- التهديد الناشئ عن بدائل للمنتج أو للخدمة

Threats of Substitute of Products or Services

- درجة الندية بين المتنافسين الحالين

Rivalry Among Existing Competitors

     

          وتعمل هذه القوى الخمس على تحديد ربحية الصناعة لأنها تؤثر على الأسعار، والتكاليف، والاستثمارات المطلوبة من المنشاة فى صناعة ما، والتى تعتبر العناصر الأساسية للعائد على الاستثمار (Porter, 1980) ومن هنا فإن بورتر يعتبر أن التركيز الأساسى يكون على هيكل صناعة ما وتحليل المنافسين فى بيئات متنوعة لهذه الصناعة (porter 1985) .


 

 

تهديد متنافسين جدد

درجة الندية بين المتنافسين الحاليين

تهديد بدائل للمنتجات أو الخدمات

القوة التفاوضية للمشترين

القوة التفاوضية للموردين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(شكل 1)

القوى التنافسية الخمس التى تحدد ربحية الصناعة

المصدر:

Source : Porter, M., Competitive Strategy : Techniques for Analyzing Industries and competitors (N. Y : 1980), P.4.

 

          باعتبار أن قواعد المنافسة تنبع من هذه القوى التنافسية الخمس (شكل 1) وتختلف قوة تأثير هذه القوى من صناعة لأخرى، بل يمكن أن تتغير فى صناعة من وقت لآخر .

- فقوة المشترين Buyers تؤثر على الأسعار التى يمكن أنت تتحملها المنشأة، كما تؤثر أيضا على التكلفة، والاستثمار وذلك لأن المشترى القوى يطلب خدمة مكلفة (ذات مستوى معين) مما يترتب عليه إجبار المورد على زيادة استثماراته لتحسين مستوى جودة أدائه ومن ثم زيادة التكاليف .

- كما أن التهديد الناشئ عن التوصل إلى بدائل جديدة للمنتج أو الخدمة يكون هو الآخر على الأسعار، وكذلك على الاستثمار الذى يجب إنفاقه والتكلفة التى يجب تحملها .

- أما القوة التفاوضية للموردين، فإنها تحدد تكلفة المواد الخام، والمدخلات الأخرى .

- أما أثر كثافة الندية وقوتها، فإنها تكون على الأسعار وكذلك على تكاليف المنافسة فى مناطق معينة مثل : المصنع أو مكان العرض، تطوير المنتجات، الإعلان، والقوة البيعية .

- أما أثر دخول منافسين جدد :

          فإنها تضع حدا على الأسعار، وتحدد حجم الاستثمارات التى تمثل الحد الأدنى المطلوب لمنع أو ردع (deter) أى منافسين جدد عن الدخول بسهولة .

 

          ويقرر بورتر أن هيكل الصناعة يعتبر مستقراً نسبيا ولكن يمكن أن يتغير مع الوقت مع تطور صناعة معينة، وأن التغيرات الهيكلية فى الصناعة تؤثر على القوة النسبية والكلية لقوى المنافسة الخمس، ويمكنها بالتالى أن تؤثر إيجابيا أو سلبيا فى ربحية الصناعة، ومن ثم فإن الأكثر أهمية للإستراتيجية هو الأكثر تأثيرا على هيكل الصناعة، ونظرا لأن هذه القوى تعتبر من مكونات هيكل الصناعة فإن الفهم الأفضل لطبيعة المنافسة يقتضى فهما أكبر لها.

          غير أن الشركات لا تكون عادة أسيرة هذه القوى الخمس لهيكل الصناعة، بل أنها من خلال إستراتيجياتها يمكن أن تؤثر فى هذه القوى الخمس نفسها، فإذا استطاعت شركة أن تشكل هيكلا ما فإنها سوف تستطيع بالضرورة أن تغير جاذبية الصناعة للأحسن أو للأسوأ، فكثيرا من الإستراتيجيات الناجحة حولت قواعد المنافسة بهذه الطريقة (Porter, 1985 P.7).

لكن ما الذى يحدد قوة كل من هذه القوى الخمس ؟

          أنه من المهم طالما تعتبر هذه القوى الخمس هى الأكثر تأثيرا على طبيعة المنافسة، فإن الفهم الأكبر لطبيعة المنافسة يقتضى فهما متعمقا لها، ولتحقيق فهم أكبر لطبيعة تأثير هذه القوى وآليات عملها حاول (بورتر) أن يحدد العناصر المحددة لقوة كل من هذه القوى الخمس والتى نلخصها فيما يلى :

محددات الندية فى المنافسة Rivalry Determinants :

وتتخلص فى الآتى :

- نمو الصناعة .                   - نسبة تكاليف الثابتة أو المخزون / القيمة المضافة.

- تذبذب الطاقة القصوى       – التميز فى المنتج Product differentiation

- قوة العلامة . Brand Identity  - تكاليف التحول switching costs

- التركيز والتوازن .             - تنوع المتنافسين .

- مدى ثبات جذور المنشأة Corporate Stashes – معوقات الخروج.

محددات الدخول Entry Barriers :

- اقتصاديات الحجم الكبير.    

- قوة العلامة.

- السيطرة على منتجات متميزة.        

- تكاليف التحول للعميل من منتج أو مورد لآخر كبيرة.

- المتطلبات الرأسمالية كبيرة       

- السيطرة على الموزعين

- مزايا السبق فيما يتعلق بالتكلفة المطلقة

- التمكن من منحنى التعلم

- السيطرة على المدخلات الأساسية

- الاستحواذ على منتج ذي تكلفة منخفضة

- الرد المتوقع من المنافسين الحاليين

- سياسات الحكومة

محددات قوة المشترين:Determinants of Buyer Power

تزداد فعالية المشترين كلما أمكنهم فعل الآتي أو توفر لهم ما يأتي:

-الشراء بكميات كبيرة .

- تركيز المشترين مقابل تركيز أو تشتت المنتجين.

- حجم المشتري أكبر .

- تكاليف تحويل قليلة مقابل تكاليف أكبرللمنتجين.

- القدرة على التكامل للخلف.

- توفر معلومات كاملة.

- القدرة على الحصول على منتجات بديلة.

- القدرة على الصمود رغم المتاعب.

- الحساسية للسعر.

- نسبة السعر/ للمشتريات الكلية.

- أختلافات المنتجات أقل.

- قوة العلامة التجارية للمشترين مقابل علامة المورد.

- التأثير على الجودة والأداء أكبر.

- أرباح المشترين كبيرة.

- حوافز صانعى القرار أكبر.

محددات قوة الموردين:

- تميز المدخلات التى يوفرها للمشترى.

- تكاليف التحول للمنشآت المشترية والموردين فى الصناعة.

- وجود بدائل للمدخلات أقل أمام المشترى.

- تركز الموردين وتفاهمهم.

- أهمية الكمية للمورد.

- التكلفة بالنسبة للمشتريات الكلية فى الصناعة.

- تأثير المدخلات على التكلفة أو التميز.

- تهديد التكامل للأمام فى مقابل تهديد التكامل للخلف.

تهديد المنتجات البديلة :

- الأداء النسبى لسعر البديل أفضل.

- تكاليف التحول قليلة.

- درجة استعداد المشترى للبديل .

          وتلقى هذه العناصر لهيكل الصناعة الضوء على آلية توجيه المنافسة فى صناعة ما مع الأخذ فى الاعتبار أن تأثير هذه القوى الخمس فى أى صناعة بعينها لن يكون متساويا فى الأهمية فكل صناعة فريدة وتملك هيكلها الفريد.

          ويرى Porter,85,p.7.)) أن مثل هذا الإطار ذى القوى الخمس يزيد من قدرة المنشآت على مواجهة الظروف البيئية المعقدة، والتحليل الدقيق للعوامل الأكثر حرجا وتأثيرا على المنافسة فى صناعتها كما يساعدها على أن تتعرف على تلك الابتكارات التكنولوجية التى سوف تكون الأقدر على تحسين الصناعة وربحيتها في المدى البعيد، فهذا الإطاريهدف- من خلال استخدامه - إلى رفع الدافع نحو ابتكار إستراتيجى مرغوب فيه ولذا يرى الباحث أنه بدون أمتلاك أى منشأة زمام القدرة على فهم وتحليل آليات عمل هذه القوى لأى صناعة فإن ذلك معناه الحكم عليها بالانتهاء إن عاجلا أو آجلا.

2- إستراتيجيات المنافسة الكبرى Generic Competitive Strategies

          أن المسألة الاساسية الثانية فى إستراتيجية المنافسة هى موقف المنشأة النسبى داخل صناعتها حيث يحدد وضعها ما إذا كانت ربحيتها أعلى أم أقل من متوسط الصناعة.

          والمنشأة التى تستطيع أن تحسن من وضعها ومكانتها داخل صناعة معينة سوف تجنى- بلا شك- أرباحاً أعلى حتى لو كان هيكل الصناعة الذي تعمل بها غير مفضل ومتوسط الربحية بهذه الصناعة لذلك متواضع وحتى يمكن لأى منشأة أن تفعل ذلك فإن أمامها نوعين أساسين من المزايا التنافسية وهما :

- التكلفة المنخفضة Low Cost .

- أو التميز Differentiation .

          إن أى ضعف أو قوة للمنشأة يرجع فى النهاية إلى درجة تأثيرها على التكلفة أو التميز النسبى الذين ينبثقان بدورهما من هيكل الصناعة أى قدرة المنشأة على التكيف مع القوى الخمس بشكل أفضل من منافسيها .

          وبارتباط كلا النوعين من المزايا التنافسية بمجال النشاط الذى تبحث المنشأة عن تحقيقه يكون أمامنا ثلاث إستراتيجيات كبرى تمكن المنشأة من تحقيق أداء اعلى من متوسط الصناعة التى تعمل بها وهذه الإستراتيجيات .

- القيادة فى التكاليف – والتميز -  والتركيز ,  ولإستراتيجة التركيز بديلين هما

التركيز على التكلفة  أو  التركيز على التميز .

                 الميزة التنافســــية

واسع

1

القيادة فى التكاليف

2

التميز

 

 

المجال التنافسى

 

ضيق

3

تركيز التكلفة

تركيز التميز

 

 

 

شكل (2)

الإستراتيجيات الكبرى للمنافسة

 

          ويوصى بورتر أى شركة أن تختار واحدة فقط من بين الإستراتيجيات الثلاث الكبرى حتى تتميز فى الصناعة أما الذى يحاول فى كل شئ فلن يملك أى ميزة فلا يمكن لأحد أن يكون كل شئ لكل الناس وهؤلاء الذين يفعلون ذلك سماهم بورتر المتجمدين فى المنتصف لا يمتلكون أى ميزة تنافسية وهذا الوضع الإستراتيجيى لا يؤدى عادة إلى تحقيق مستوى أداء أقل من المتوسط ورغم تحذيره الشديد لأى شركة من البقاء فى المنتصف فإنه يقرر أن مثل هذه الشركات قد تجنى أرباحا عالية فى بعض الصناعات حينما تكون سعيدة الحظ بدرجة كبيرة تجعلها في وسط منافسين يقفون جميعا في المنتصف .

 وهناك ثلاث حالات يمكن لشركة أن تتبع فيها كل من القيادة فى التكاليف والتميز فى نفس الوقت وهى :

 

أ- حينما يكون المنافسون جيمعا فى المنتصف :

         

وذلك لأن تخفيض التكلفة حينئذ لن يعنى التضحية بالتميز، إلا إذا واجهت المنشأة منافسين يعملوا فى القيادة فى تخفيض التكاليف- وليس مجرد خفضها- فإنها سوف تكون مجبرة حينئذ على التضحية بالتميز من أجل القيادة فى التكاليف وحيث يتطلب تخفيض التكاليف بشكل قيادى ضرورة اللجوء إلى عملية تنميط فى المنتج، وعند هذه النقطة لن يكون كلا الإستراتيجيين متناسقتين معا.

 

ب- حينما يمكن للتكلفة أن تتأثر بقوة بالحصة السوقية أو العلاقات المتداخلة بين أطراف الصناعة:

          حيث يمكن تحقيق كلا من القيادة فى تخفيض التكاليف والتميز فى نفس الوقت عندما يتأثر موقف التكاليف كثيرا بالحصة السوقية بدلا من تصميم المنتج أو مستوى التكنولوجيى أو الخدمة المقدمة أو عوامل أخرى فلو استطاعت شركة واحد أن تتمتع بميزة حصة سوقية كبيرة ونامية، فإن مزايا التكلفة للحصة فى بعض الأنشطة سوف تسمح لها أن تتحمل تكاليف إضافية فى أنشطة أخرى ومع ذلك تظل محافظة على قيادتها للتكاليف النهائية.

          ومن ناحية أخرى يمكن للحصة السوقية أن تقلل تكلفة التميز نفسها بالنسبة للمنافسين وذلك حينما يمكن للشركة من خلال كبر حصتها إستيعاب التكلفة الإضافية التى تحملتها من أجل التميز بنفس المبدأ السابق ذكره مباشرة وغير ذلك من الأساليب، وبالنسبة للمواقف المتداخلة يمكن تحقيق القيادة فى التكاليف والتميز فى نفس الوقت حينما توجد علاقات إرتباط مهمة ومتداخلة بين الصناعات لدرجة أن أحد المنافسين يمكنه الاستغلال والآخرون لا يستطيعون .

          فالعلاقات غير المتوازنة يمكن أن تخصم من تكاليف التميز أو تعوض Offset التكاليف الأعلى للتميز.

          ولا يمكن إغفال أن إتباع الإستراتيجيين معا وفى نفس الوقت سوف يغرى المنافسين الأكفاء لاتخاذ قرار بالاستثمار بشكل عدوانى aggressively لتحقيق نفس الهدف، مواءمة الحصة أو العلاقات المتداخلة ويرى الباحث أن من أكثر الصناعات تطابقا مع هذا الوضع  هى صناعة التجزئة عموما Retailing حيث تتأثر التكلفة فيها بقوة بكل من الحصة السوقية وقوة التداخل فى العلاقات الخاصة مع الموردين.

          ولذلك فإننا نجد أن من أشهر الشركات التى استطاعت الدمج بين كل من القيادة فى التكاليف والتميز فى نفس الوقت ما نراه الآن بالنسبة لشركة سينسبرى فى السوق المصرية وكذلك ما قامت به شركة وول مارت الأمريكية والتى تعمل فى مجال التجزئة أيضا ولها عدة فروع ممتدة فى كثير من دول العالم.

 

ج- عندما تكون المنشأة رائدة فى ابتكار معين:

          فتقديم ابتكارات تكنولوجية هامة يسمح للمنشأة أن تخفض من تكلفتها وتعمق من تميزها فى نفس الوقت وربما تحرز كلا الإستراتيجيين ولا تحقق هذا الوضع إلا إذا كانت المنشأة هى الوحيدة المنفردة بهذا الابتكار فإذا أستطاع المنافسون تقديم هذا الابتكار أو بديل له فإن المنشأة سوف تجد نفسها مرة ثانية فى موقف يحتم عليها ضرورة الاختيار و الموازنة بين مزايا كل من القيادة فى التكاليف أو التميز.

          وبصفة عامة يوصى بورتر أى منشاة أن تعمل دائما على الآتى :

- اقتناص كافة الفرص التى تمكنها من تقليل التكاليف دون التضحية بالتميز.

- وكذلك عليها أيضا إتباع كل فرص التميز التى لا تكون مكلفة .

          فيما وراء ذلك على أى شركة – مع ذلك- أن تكون مستعدة لاختيار الميزة التنافسية النهائية التى سوف تركز عليها وتحلل النتائج طبقا لذلك.

مناقشة أفكار بورتر :

          إن إسهامات بورتر فى بناء نظرية لإستراتيجية المنافسة والتى تعرضنا لها بإيجاز شديد تقوم على أن أهم محددات اختيار إستراتيجية المنافسة اثنان وهما :

الأول : جاذبية الصناعات Attractiveness of Industries للربح فى المدى البعيد والعوامل المحددة لذلك فليس كل الصناعات ذات فرص متساوية لدعم الربحية.

الثانى : الموقف التنافسى النسبى فى الصناعة Relative competitive position ففى معظم الصناعات نجد أن بعض المنشآت أكثر ربحية من البعض الآخر بصرف النظر عن متوسط الربحية لهذه الصناعة .

          وأى من هذين العاملين وحده لا يكفى دون أخذ الآخر فى الاعتبار لتحقيق الميزة التنافسية وتعتبر أفكار بورتر هى الأساس الذى قامت عليه إستراتيجيات المنافسة فيما بعد مهما أختلف معه من أختلف .

إسهامات نظرية الموارد Resource - Based Theory (RBT) :

          حيث قاموا بإقتراح نموذج لصياغة الإستراتيجية من وجهة نظرهم يتكون من خمس خطوات شكل (3) :


 

4- اختيار الإستراتيجية التى تحقق أفضل استغلال الموارد وقدرات المنشأة بالنسبة للظروف الخارجية .

 

 

الإستراتيجية

 

 

 

 

 

 

3- تقدير العائد المتوقع من الموارد والقدرات فى ضوء:

أ- قدرتم على دعم ميزة تنافسية .

ب- مدى مناسبة عوائدهم

 

 

 


ميزة تنافسية

 

5- التعرف على فجوات الموارد التى تحتاج إلى تدبير والاستثمار فى تعويض ما نقص وتعظيم وزيادة الموارد الاساسية للمنشأة .

 

 

 

 

 

2- التعرف على قدرات المنشاة : ما الذى يمكن للمنشأة أن تفعله بفعالية أكبر من منافسيها؟

 والتعرف على الموارد المحددة لكل قدرة ودرجة التعقد لكل قدرة.

 

 

 

القدرات

Capabilities

 

 

 

 

 

 

 

1- التعرف على وتصنيف موارد المنشأة : تقييم القوة والضعف مقابل المنافسين التعرف على فرص الاستغلال الأمثل للموارد.

 

 

 


الموارد

 

 

      

شكل (3)

إطار عمل لمدخل الموارد فى تحليل الإستراتيجية

          وتستند هذه النظرية على أمرين أساسين هما : الأول : أن الموارد والقدرات الداخلية تحدد الاتجاه الاساسى للمنشأة أو ما يسمى بالرسالة (Mission) فبدلا من صياغة رسالة المنشأة فى ضوء عوامل خارجية ربما لا يكون من الواقعى أو الممكن إدراكها ومن ثم يحدث إضطراب لها، فإن موارد الشركة المملوكة وقدراتها يمكن أن تكون أساسا أكثر استقرارا لصياغة الرسالة .

الثانى : أن الموارد والقدرات هى المصدر الأولى لأرباح المنشأة (primary source of profit)  .

          وتستند قدرة الشركة فى جنى أرباح تفوق تكلفة رأسمالها على عاملين :

-       جاذبية الصناعة التى تقع فيها تحقيق ميزة تنافسية على المنافسين .

-        ويمكن أن نلخص تلك العلاقة بين الموارد والربحية فى شكل (4) :

 

تقييم نظرية الموارد (RBT) :

          بالنسبة للأساس الأول فإن الباحث يختلف مع صاحب هذا المدخل فى التركيز على الموارد الداخلية فقط كأساس موجه لأعمال المنشأة وتحديد رسالتها بدلا من تعريفها فى ضوء المنافع التى تخلقها منتجات المنشأة للعملاء، ولا يعنى المدخل الثانى بالطبع إهمال موارد المنشأة وإنما مهمة الرسالة هى قيادة المنشأة وكافة أفرعها للإبداع المستمر فى السوق من خلال ابتكار أفضل وسيلة لإشباع حاجات المستهلك المتطورة من خلال ما تقدمه من منتجات أو خدمات وبالرغم من أن هذا ليس موضع بحثنا الآن إلا أنه لزم التنويه عن ذلك ويمكن تناول هذه النقطة بشكل أكثر تفصيلا فى مواضع أخرى.

          أما الجانب الآخر والمفيد حقا فى بحثنا فهو ذلك المتعلق بالموارد كأساس أو مصدر للربحية كما لخصها شكل (4) حيث نلاحظ تأثر الباحث هنا بكتابات وإطار بروتر السابق الإشارة إليه إلا أنه حاول أن يربط هنا بمهارة بين ما اعتبره موارد وقدرات المنشأة وبين قدرتها على تحقيق أرباح وذلك بشكل مركز وهو ما يمكن أن يزودنا بعمق وتوضيح مفيد لتحليل المنافسة فى ضوء الهدف من هذا البحث.

          وليكتمل فهمنا لهذه النظرية علينا أن نتعرف على ما تقصده فى الفرق بين الموارد (Resources) والقدرات (Capabilities) باعتبارهما ركيزة النظرية .

فالموارد : تعتبر مدخلات فى العملية الإنتاجية وتعتبر الوحدات الاساسية للتحليل ومن أمثلة الموارد الفردية للمنشأة التجهيزات الرأسمالية، مهارات العاملين، براءات الاختراع، أسماء العلامات التمويل وغيرها.

وأما القدرة فإنها تعتبر الطاقة (Capacity) لفريق من الموارد لإعداد مهمة معينة أو نشاط معين.

          وبينما تعتبر الموارد هى المصدر لقدرات المنشأة فإن القدرات تعتبر المصدر الرئيسى لمزاياها التنافسية .

إسهامات هامل وبرهالد Hamel & Brahalad :

          ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أخذ العديد من الباحثين بعد ذلك فى مواصلة الإسهام فى بناء وتدعيم هذا الحقل من المعرفة حيث كانت كتابات (Hamel & Prahalad) المتعددة خاصة كتابهما الذى زاع صيته (Competing for the future) وذلك عام 1994م. حيث بدءوا كتابهم بإنتقادات الأفكار التى كانت سائدة حول إستراتيجيات المنافسة وخاصة التى روجا لها زاعمين أنها تقف عاجزة عن تفسير الواقع وخاصة نجاح كثير من الشركات اليابانية مثل كانون وهوندا وسونى وغيرها على منافسيها الأمريكيين رغم صغر حجمها وقلة مواردها مقارنة بالشركات الأمريكية الأكبر حجما والأغنى مواردا.

          ويتساءلا بدهشة كيف أستطاع منافسون بموارد قليلة بشكل واضح أن يتمكنوا من النجاح فى تحدى عمالقة الشركات (Hamel & Prahalad 94) بل أعلنوا صراحة أن النظريات الموجودة للإستراتيجية والتنظيم توفر أساسا جيدا للاستكشاف وليس إجابة كاملة لمثل تلك الاسئلة فبينما ساعدتنا على فهم هيكل صناعة معينة فإنها لم تزودنا إلا بالقليل حول ما الذى يمكن أن تكلفة منشأة للقيام بإعادة صياغة هذه الصناعة جذريا لصالحها الخاص وبينما ساعدتنا على تتبع الميزة التنافسية النسبية فإنها فشلت فى السيطرة على ديناميكية بناء الكفاءة (Building the Dynamic of competence) وهذه الفجوة التى لا حظوها ما بين النظرية والتطبيق هى التى دفعتهم للقيام بكتابهم هذا فهو يعتبر بمثابة ثورة فى حينه على الكتابات السابقة وخاصة ما قدمه بورتر من نظريات وفى نفس الوقت محاولة لإعادة الاعتبار إلى الإستراتيجية بعدما تعرضت له من هجوم كبير وخاصة على يد عالم كبير مثل (Mintzberg. H., 1994) وغيره.

ومن أهم ما يقوم عليه مدخلهم هو أن مثل هذه الشركات التى نجحت فى المنافسة لم تشغل نفسها كثيرا بتلك القيود و الحدود التى تكبل الصناعة ولم تحاول أن تجد ميزة نسبية لها فيها ولم تقنع بتحليل هيكل الصناعة وتفهم قواعد اللعب السائدة والاستفادة منها وإنما قامت بدلا من ذلك بتحطيم تلك القيود والحدود وإعادة صياغة هيكل الصناعة ذاته وحددت هى قواعد اللعب التى تريدها وأجبرت الآخرين على إتباعها والسير فى ضوء هذه القواعد الجديدة، وضربوا أمثلة عملية لمثل هذه الشركات التى حطمت قواعد اللعب السائدة فى صناعة معينة وإعادة صياغة هيكلها مثل سونى- فى تلفزيون 21 بوصة، وكاسيو فى صناعة الحاسبات، والساعات الرقمية, محطة  (CNN)، أنتيل وميريك، الخطوط الجوية البريطانية وغيرها أى أن جوهر هذا الفكر هو كيف ينتقل إلى المستقبل أولاً: فالمدير الذى يستطيع أن يتخيل المستقبل جيداً ومن ثم تحقيقه هو ذلك الذى سوف يحقق النجاح والتميز .

ولا شك أن هناك إسهامات كثيرة مفيدة بشكل أبهر كثيرا من المديرين والدارسين فى فكر كل من هذين الكاتبين .

إلا أنه سرعان ما جاء من يتقدمهم وخاصة فيما يتعلق بفكرة الوصول إلى المستقبل أولاً (Micklthwait, 1996) فعلى حد قوله يعنى وصولك للمستقبل أولاً إنك قد حققت التميز، فكثير من الشركات تفضل الانتظار لما سوف يفعله القائد بعد أن ينفق ويستثمر أموالاً طائلة فى التوصل إلى منتج جيد ويتحمل كافة المخاطر ثم يقومون بسرعة عالية وكفاءة بتقليده مما يجعلونه يفقد ما حققه من مزايا خاصة وانهم تميزوا بانخفاض التكلفة فى الاستثمار فى البحوث والتطور، وقدرة عالية على التقليد ومن أمثلة هذه الشركات ما قامت به بر وكتل &جامبل حين قلدت حفاضات الاطفال التى اخترعتها شركة (Chux) فحققت هى أعلى أرباح من البامبرز بينما توقفت الشركة صاحبة الاختراع .

          وكذلك ميكروسفت مع أبل، والشركات اليابانية مع الأمريكية التى اخترعت الفيديو أولا .

          وبالرغم مما سبق إلا أن المرء لا يكاد يجد إطارًا كاملا لنظرية فى الاستراتيجية لهذين الكاتبين بقدر ما يجد إطارا مفيدا لأحداث ثورة في التفكير الإ بداعي الاستراتيجي والخروج عن دائرة التقليد الحتمية .

 

 

تقييم عام :

          لو تعمق الباحثون جيدا لوجدوا الأساس هو التكامل بين تلك الأفكار التي تبدوا جديدة ولكن فى طيات الأفكار القديمة والذى يحدث هو شدة إبراز وتركيز وإعادة صياغة نقاط معينة حتى تبدو جديدة، ولا يزال الباحث مقتنعا أن الأساس الراسخ لنظريات المنافسة يتمثل فيما قدمه بورتر من إسهامات جيدة ومفيدة فى هذا الصدد، مع عدم إغفال ما اسهم به من بعده سواء من تم ذكرهم أو من لم يتسع المجال لذكرهم مثل (Mppre. 1996, Fahey, 1998, Brown, 1996, Fine, 1998, Hruby, 1999)، وهو ما يكفى إلى حد كبير لتوضيح الإطار أو الخلفية الذي تسير فيه الشركات العملاقة ومنها محلات السوبر ماركت العملاقة بالطبع لتحقيق ميزه تنافسية لها بشكل علمي ومدروس في أي سوق تعمل فيه أو تحاول الدخول إليه .

          والسؤال هل تدرك المنشآت المصرية العاملة فى مجال التجزئة بمصر صناعة أو توزيعا، تلك القواعد والاليات ؟ وهل تتفهم ما الذي يحدث فى بيتها من تغيير ؟ وما الذى سوف يحدث فى المدى القريب والبعيد ؟ وما هى مجالات هذا التغير ؟ وما هى صورتها ونقاط قوتها وضعفها حينما يحدث ذلك مقارنة بمنافسيها ؟ وما الذى يمكنها عمله حينما يحدث هذا التغيير ؟ هل سوف تصد وتحاول البقاء ؟ وإلى متي ؟ أم سوف تتلاشى وتختفى عن الوجود حينما تفاجأ بظهور أولئك العمالقة الذين تسلحوا بكل تلك الأسلحة الفتاكة فتتهاوى صرعى وبسرعة من هول المفاجأة ؟

ثالثاً : الظاهر والمشكلة موضع البحث :

          لقد بدأ يظهر بوضوح فى بيئة الأعمال المصرية وبصوره مفاجئة ردود فعل متباينة نتيجة لدخول أول سوبر ماركت عالمي عملاق بشكل مباشر فى السوق المصرية وذلك بإفتتاح فرع ضخم (5000م2) تقريبا له فى شارع الأهرام يتوافر فيه أحدث تقنيات هذه الصناعة وذلك يوم 28/1/2000م أي توافق اقتتاحه مع بداية الألفية الثالثة التي كثرا لكلام حول التغيرات التي سوف تحدث فيها والاستعداد لدخولها، ولكن الأمر لم يعد كلاما، فلأول مرة بدأ يشعر كل مواطن فى مصر على كافة اختلاف ثقافته ومهنته ودرجة تعليمه بالخطر الداهم للمنافسة الذي جاء ليوضح لنا عمليا وعلى نطاق واسع – كيف تكون المنافسة – وكيف تعمل استراتيجياتها، وما هى أخطارها الواقعة وليست فقط المتوقعة كما تعودنا أن نتحدث عن الأخطار المتوقعة على الصناعات المصرية المختلفة مع اقتراب موعد سريان اتفاقية الجات والتي سوف تزول فيها كل ألوان الحماية الحكومية لتفسح الطريق فقط أمام نوع واحد من الحماية وهو الحماية التى تعتمد على الكفاءة الإدارية التى تعمل على تحويل المنشآت إلى منشآت ذات ميزة تنافسية تمكنها – ليس فقط من البقاء، وإنما أيضا من النمو والتميز المستمر على المنافسين .

          لقد كانت مثل هذه الأسئلة وغيرها هى ما رواضت الباحث حينما شاهد بنفسه مراسم افتتاح الفرع الرئيسي بسوبر ماركت سينسبرى الإنجليزي الشهير فى شارع الأهرام والذي كان الإقبال عليه ليلة الافتتاح بشكل أذهلني بل وأذهل إدارة السوبر ماركت الأجنبية نفسها التى شاهدت طاقمها بنفسى وهو مشدوه مما يحدث من إقبال جعل كتلا بشرية متلاحمة تقف طويلا أمام الباب حتى تظفر بالدخول، ناهيك عن تعطل المرور في شارع الهرم الرئيسي، استدعاء قوات ضخمة من الأمن لتنظيم المرور، وتنظيم دخول الناس، رغم أن توقيت الافتتاح تصادف مع مباراة دولية فى كرة القدم بين فريق مصر القومي وفريق زامبيا مما جعلني أتشجع على الذهاب لرؤية ذلك الافتتاح الذي كنت أتتبع وأشاهد استعدادات متواصلة ليل نهار له ولكني لم أتمكن من الدخول خلال معظم أيام وليالى الأسبوع الأول للافتتاح، إننى اسرد ذلك بشكل تفصيلى لتوضيح مدى الأثر الرهيب الذى تركته مثل هذه الصورة أمام شخص متخصص مثلى وعلى الفور شغلت نفسى بدراستها ومناقشة آثارها . فى محاضرات إدارة الاستراتيجية مع طلابى، محاولا أن أنمى لديهم وعيا استراتيجيا حقيقيا وملموسا حينما ظهرت هذه الفرصة كدراسة حالة أمامهم متنبئين بما سوف يحدث من سيناريوهات استراتيجية وآثار على الشركات أو المتاجر المصرية الموجودة فى هذه الصناعة .

          ولم يمض سوى عدة أسابيع قليلة حتى ظهرت الأثار تترى وبدأت الشكاوى والصراخ وردود الأفعال، وهو ما بدأ يوضح الظاهرة تماما ويشير بوضوح إلى وجود مشكلة حقيقية تقابل المنشآت المصرية ليست فقط تلك العاملة فى مجال التجزئة بل الشركات المغذية لها وخاصة العاملة فى مجال الصناعات الغذائية فى مصر، فكيف حدث ذلك ؟ وما هى نتائجه أو آثاره ؟

          لقد تتبع الباحث منذ تاريخ افتتاح هذا المتجر وإلى الآن بشكل دقيق ومستمر الانعكاسات التى بدأت تحدث سواء من جانب المتاجر القريبة والتى تقع في دائرة هذا المتجر، أو من جانب ما كتب عن هذا الموضوع بعد ذلك فى الصحف أو المجلات الأسبوعية .

          إن المشكلة من وجهه نظر الباحث فى ضوء التحليل السابق تتلخص فى مواجهة غير متكافئة بين طرفين الطرف الأول مزود بكل آليات المنافسة والتميز نظريا وعمليا، والطرف الأخر وهو المصرى غير ملم ولا مهتم بالتزود بمثل هذه الآليات إلى حدد كبير، طرف يمارس الإدارة على أساس علمي مدروس ومتقن، وطرف لا يزال يمارسها طبقاً لمبدأ التجربة والخطأ، طرف نشأ واكتسب خبرة ممتدة فى بيئة تنافسية ديناميكية مفتوحة وحرة، وطرف آخر نشأ فى بيئة ساكنة مغلقة ومقيدة .

          وبإيجاز يمكن تشخيص المشكلة بعدم تفهم المنشآت المصرية لآليات وقواعد المنافسة التى بدأت وسوف تستمر وتتزايد مع الوقت، في توجيه بيئة الأعمال فى السوق المصرية .

رابعاً : فروض البحث :

          فى ضوء مراجعة الأدبيات المتعلقة بموضوع استراتيجيات المنافسة، كذلك ظواهر المشكلة وأسبابها في السوق المصري الآن فيما يتعلق بتجارة التجزئة في المواد الغذائية والصناعات المرتبطة بها، يمكن صياغة الفروض التالية:

الفرض الأول :

 أنه من المتوقع أن تتمكن الشركة الأجنبية من إعادة تشكيل وصياغة هيكل صناعة التجزئة فى المواد الغذائية فى مصر لصالحها، بحيث يصبح أكثر جاذبية لها، وأكثر تهديدا للمنشآت المصرية العاملة فى نفس الصناعة.

الفرض الثانى :

أنه من المتوقع أن تتمكن الشركة من خلال مواردها وإمكاناتها الضخمة، وتدنى قدرات وموارد المنافسين، من تحقيق أكثر من ميزة فى نفس الوقت تمكنها من تبنى كل من إستراتيجية القيادة فى التكاليف، وتحقيق التميز Differentiation  فى نفس الوقت.

الفرض الثالث:

 إن قدرات وموارد المنشآت المصرية لن تؤهلها من إتباع إستراتيجيات هجومية، ولا حتى محافظة وإنما لن يكون أمامها إلا الإستراتيجيات الدفاعية على اختلافها.

خامساً: أهداف البحث :

          من أهم الأهداف التى يرمى هذا البحث إلى تحقيقها.

1- اختبار صحة الفروض السابقة .

2- محاولة صياغة إطار للمنافسة يستند إلى الأصول العلمية ويمكننا من تفسير واقع ومستقبل الصناعات المختلفة فى بيئة الأعمال المصرية.

3- التوصل إلى مجموعة من التوصيات العملية المفيدة لتوصية الممارسين فى الصناعات المختلفة إلى ما يمكن أن يمثل لهم طوق النجاة فى المنافسة العاتية الحالية والمقبلة.

4- توجيه نظر الباحثين الأكاديميين إلى تلك التحولات الجديدة فى بيئة الأعمال المصرية والتى تحتاج إلى كتابات وأبحاث تتواكب معها وخاصة فيما يتعلق بإستراتيجيات المنافسة التى نالت حظا وافرا من الاهتمام لدى الباحثين الأجانب، ولم تنل نفس الدرجة ولا حتى أقل القليل من الباحثين المصرين، ليس ذلك لعيب فيهم، وإنما لطبيعة الظروف السائدة التى غلبت على السوق المصرية فى الخمسين سنة الماضية تقريبا والتى كادت أن تختفى فيها المنافسة تماما ولم تبدأ فى الظهور إلا منذ سنوات قليلة وعلى استحياء.

سادسا أهمية البحث :

من الناحية التطبيقية :

- حداثة الموضوع الذى يتناوله باعتباره ظاهرة جديدة وغير مألوفة فى السوق المصرى.

- أنه تناول صناعة مهمة وتتحكم فى اقتصاد أى دولة، باعتبار صناعة التجزئة Retailing هى الحلقة الوسيطة ما بين المنتجين والمستهلكين ومن ثم تأثيرها على الجانبين كبيرا ومهما.

- أن حجم تلك التجارة فى مصر طبقا للتقديرات السائدة تترواح سنويا ما بين 90 : 100 مليار جنيه مصرى، وهى بذلك تزيد على أى صناعة أخرى وهو ما يعتبر بمثابة السبب الرئيسى الذى فتح شهية الشركات الأجنبية العملاقة لدخول هذا السوق حيث تخطط لذلك شركتان عملاقتان الآن على الأقل بصورة مؤكدة، هما كارفور الفرنسية – ومترو الألمانية – وبدأت كلاهما بالفعل فى شراء عقارات وأراضى ومفاوضات لشراء بعض المتاجر.

من الناحية النظرية :

- نظراً لحداثة المجال الذى يتناوله البحث، فإنه يكاد يكون البحث الأكاديمى الأول من نوعه الذى يتناول هذا الموضوع باللغة العربية وخاصة فى مصر، ( نظرياً أو تطبيقياً).

- أنه يعتبر بمثابة إرتياد مجال جديد فى حقل الأبحاث العلمية وخاصة تلك المتعلقة بتناول صناعة معينة باعتبارها وحدة التحليل، وليس شركة أو منشأة بعينها وذلك فى ضوء وأدبيات الإستراتيجية الحديثة.

سابعا أسلوب البحث :

أ- البيانات المطلوبة :

          سوف يتطلب إتمام هذا البحث نوعين من البيانات بعضها ثانوى وبعضها الآخر أولى.

ومن أهم البيانات الثانوية التى سوف يحتاجها البحث:

- إستراتيجيات المنافسة فى الأدبيات الغربية.

- سوق تجارة التجزئة فى مصر وحجم المتاجر بها.

-المتجر الأجنبى من حيث نشأته وعمره وعدد العمالة والفروع وخططه المتوقعة للمنافسة فى مصر ... الخ .

- ردود الأفعال المختلفة لدى الأطراف المعنية بهذا الأمر فى السوق المصرية.

-حجم الخسائر التى ترتبت على دخول الشركة الأجنبية للمنشآت المصرية المتأثرة بشكل مباشر أو غير مباشر.

          وسوف يتم الحصول على هذه البيانات من مصادرها الثانوية مثل المراجع العلمية، الدوريات، العلمية المتخصصة باللغة الأجنبية، بالإضافة إلى ما أثير فى المجلات الاقتصادية المصرية الأسبوعية أو الصحف اليومية والأسبوعية والاجتماعات والمؤتمرات الصحفية والغرف التجارية والصناعية ... الخ .

بيانات أولية وتتمثل في الوقوف بشكل مباشر على مدى حجم التأثير على المتاجر القريبة من الفرع الجديد الذى تم افتتاحه فى منطقة الأهرام 28/1/2000م، وأستطلاع آرائهم عن التصرفات الفعلية المتوقعة منهم لمواجهة ذلك فى الفترة المقبلة.

          وسوف يتم الحصول على هذه البيانات من مصادرها الأولية وهم أصحاب متاجر البقالة الأكبر حجما والموجودة فى منطقة الهرم وذلك باستخدام أسلوب المقابلة المتعمقة والمعد لها مسبقا بمجموعة من الاسئلة المتعمقة والتى تخذم أغراض البحث.

ب- مجتمع ووحدة البحث :

          يتمثل مجتمع البحث فى تجارة التجزئة فى مصر وخاصة فى مجال السلع الغذائية وذلك من خلال دراسة حالة Case study لأحد متاجر السوبر ماركت العملاقة التي دخلت هذا السوق حديثا وأحدثت فيه ظواهر عديدة وكبيرة سبق أن أشرنا إلى بعضها .

ويرجع السبب فى ذلك إلى عدة أمور :

1 – أن أسلوب دراسة الحالة هو الأفضل فيما يتعلق يمثل هذا المجال وذلك لأنه يتناول ظاهرة معقدة ومتشابكة العلاقات .

2 – كما يحتاج التحليل إلى عمق وتتبع لتفهم الأفعال والتفاعلات التنافسية التى تحدث ليس على مستوى تلك الحالة فقط وإنما على صناعة كاملة بما فيها من منافسين، أو موردين، أو عملاء أو مستهلكين .

3 – أن هذه الشركة من الضخامة والتفوق بما يجعل منها ما يوازي اقتصاد دولة كمصر بالكامل، حيث تصل خبرتها 130 سنة ويصل حجم أعمالها السنوي فى العالم نحو 30 مليار جنيه إسترليني، تحتل 19% من حجم سوق التجارة الداخلية فى كل من إنجلترا وأمريكا، يعمل بها 130 ألف موظف فى 1700 فرع، أما فى مصر فقد بلغ عدد الموظفين بها حتى 29/2/2000م ما يقدر بخمسة آلاف موظف، وتخطط للوصول بهم إلى 16 ألف خلال سنتين، بلغت استثماراتها فى مصر حتى الآن 500 مليون جنيه ومن المتوقع أن تصل إلى مليار خلال مدة لا تزيد على سنة ونصف .

4 – أن هذا هو الأسلوب الذى يتبناه وينادى به كبار العلماء المتخصصين فى مجال استراتيجيات المنافسة والذين لهم مكانة بارزة ومحترمة على مستوى العالم (Porter, 91) .

ج – أسلوب التحليل :

          سيعتمد الباحث أسلوب التحليل المنطقي القياسي المتعمق (Deductive) الذي يتناسب مع طبيعة مثل هذا البحث ومن خلال تحليل البيانات الثانوية والأولية الوصفية التي تم تجميعها عن الموضوع محل البحث لاختبار صحة الفروض والتوصل إلى النتائج المستهدفة من البحث (Babbie, E. 1983) .

ثامناً : نتائج البحث :

          من واقع التحليل القياسي المنطقي (Deductive) لبيانات البحث أمكن التوصل إلى النتائج الآتية :

الفرض الأول :

          نظرا لإشتمال هذا الفرض على عدة أجزاء فسوف نتناول كل جزء منها بالتحليل على حدة، وسوف نبدأ بالجزء الأول الرئيسي منها، وهو ما يتعلق بطبيعة المنافس، ثم نتبعه بتحليل الأجزاء الأخرى الناتجة عنه .

بالنسبة لطبيعة المنافس الأجنبي :

          سبق أن أشرنا إلى ما يدل على مدى قوته سواء كانت المالية أو البشرية أو الخبرة، أو الاسم المتميز أو حجم الأعمال أو انتشار وتعدد الفروع على مستوى العالم، فإذا حاولنا أن ننظر إلى طبيعة المنافس من حيث موارده طبقا لنظرية(R B T) كما سبق تناولها شكل(3، 4) .

          فإننا سوف نجد أن كلا من الموارد والقدرات المتاحة للشركة الأجنبية كبيرة متميزة وهو ما يمكنها من تحقيق التميز التنافسي على الآخرين .            

          وحتى يمكننا توضيح العلاقة بين تلك الطبيعة وبين ما يمكن أن يترتب عليها من استراتيجيات تنافسية فى ضوء نموذج بورتر، والذى طوره (Grant, 1991) فيما يسمى بنظرية (R B T) الذى يلخصه شكل (4) على الحالة موضع البحث وذلك فيما يأتى :

فبالنسبة لمعوقات الدخول :

          فإنها كانت غير موجودة أمام المتجر الأجنبي خاصة بعد اتجاه بيئة الأعمال فى مصر إلى التحرر شبه الكامل بعد تبني الدولة سياسة الحرية الاقتصادية واتباع آليات السوق والانفتاح على الأسواق العالمية (عبيد، عاطف، بيان الحكومة أمام مجلس الشعب)، مما جعل الشركات المصرية تقف عارية وبلا حماية وهى تعانى من الضعف والتفتت وعدم خبرتها وقدرتها على المنافسة على المستوى العالمي أو حتى التفكير فيها، ومن ثم لم يكن لها أسماء مميزة فى هذا المجال لديها قدرة على الردع لمن يفكر الدخول، وهذا مما زاد من جاذبية هذه الصناعة أمام المنافس الأجنبي .

          وفى المقابل استغل المتجر الجديد كل هذه النقاط لصالحة وأضاف إليها : خبرته الممتدة، وأسمه العريق، وقدرته على الردع، واقتصاديات الحجم الكبير، وسهولة تحول العميل من متجر إلى آخر بى أي تكلفة، وانتقاء منتجات متميزة، والسيطرة على المدخلات الأساسية، والتمكن من منحنى التعلم، والاستحواذ على بضائع ذات تكلفة منخفضة، كل ذلك جعل من المتجر الجديد أكثر قدرة على أن يزيد من معوقات دخول هذه السوق أمام أى منافس آخر جديد، محلى أو خارجي، بما حققه من سبق الوصول بالنسبة للأجنبي المرتقب، وربما صعبة على المحلى وخاصة فيما يتعلق بالتكلفة الرأسمالية الكبيرة، ومستوى الجودة، والخدمة، والسعر الذى فرضه على كل من يفكر الدخول بنفس المستوى كحد أدنى، ناهيك عن توافر كل عوامل القدرة على الردع لأى قادم جديد، وليس فقط القديم .

          ومن ثم نجد أن هذا العنصر كما حددته أدبيات البحث (Porter, Grant) يعتبر فى صالح المتجر الأجنبي تماما وفي غير صالح المتاجر المصرية .

وبالنسبة لعنصر الاحتكار :

          والذى حدد (Grant, 91) أم محدداته فى الحصة السوقية فإننا نجد أن الحصة السوقية للشركة الجديدة فى السوق المصرية قد بدأت كبيرة ومنذ المولد – عن أى من منافسيها على الإطلاق، ولتحقيق هذه الميزة منذ البداية حرصت الشركة على شراء سلسلة متاجر ايدج، والعديد من كبرى محلات السوبر ماركت فى مصر الجديدة وشبرا، وغيرها . علما بأن إيدج سبق وقامت بشراء سوبر ماركت (A B C) والذى استطاع بنجاح أن يشق طريقه فى هذا المجال ويفتح 6 فروع، وحاولت الشركة شراء منافس آخر مثل مترو – ولكن لم يوافق صاحبة فى حدود علم الباحث .

          وهذه الاستراتيجية التي أتبعها المتجر الجديد يفسرها أمران يحددان الهدف من ورائها وهما :

الأول : إقصاء أهم المنافسين الحالين والمرتقبين له والذين لديهم حد أدنى من الندية والخبرة والقدرة على المنافسة .

الثانى : البدء بالسيطرة على حصة سوقية كبيرة وبشكل منتشر يمكنه من التمتع بوضع احتكارى فى الندية مع باقى المتنافسين .

          ومن ثم فإنه وطبقا لهذا العنصر أيضا الاحتكار نجد أنه كان فى صالح المتجر الجديد لدرجة أن كافة الصيحات التحذيرية التي ارتفعت ضده كانت تركز على هذه النقطة وتخوف منها ومن آثارها وتنادى بضرورة إصدار قانون للاحتكار (رفعت، عصام، 28/2، 6/3، 31/3/2000م)، هذا الوضع الاحتكاري السهل يعتبر، مما يزيد من جاذبية الصناعة بالنسبة له أيضا .

وأما بالنسبة لقوة التفاوض الرأسية :

          فقد حدد عواملها (Grant, 1991) فى أمرين وهما حجم المنشآة، والموارد المالية، واللذان تبين لنا – كما سبق أن ذكرنا مدى تمتع المتجر الأجنبي الجديد بميزة فائقة وواضحة فى كل منهما ويكفى أن ندلل على ذلك بإنفاقه فى الشهور الأولى من دخوله 500 مليون جنيه، ويخطط للوصول بها إلى مليار خلال ما لا يزيد عن سنة ونصف، وكل ذلك لا يزيد عن 0.64% من حجم أعماله البالغ 30 مليار جنيه إسترلينى على مستوى العالم .

          فإذا ما أضفنا ما ذكره (Porter, 1985) فيما يتعلق بالعوامل التي تزيد من فعالية المشترين فى مقابل الموردين وهى :

          الشراء بكميات كبيرة، وتركز المشترى فى مقابل تشتت المنتج وكبر الحجم، وتكاليف التحويل إلى منتج آخر (داخلى أوخارجى) قليلة فى مقابل تكاليف تحويل أكبر للمنتج أو المواد، وقدرة عالية للتكامل الرأسى للخلف فى مقابل قدرة ضعيفة لتكامل المورد للأمام، وتوافر معلومات كاملة، والقدرة على الصمود رغم المتاعب، وقوة العلامة التجارية للمشترى مقابل المورد، وأرباح المشترى كبيرة، وحوافز أكبر لصانعى القرار والتأثير على الجودة والأداء أكبر، إذا نظرنا إلى إمكانات وممارسة المتجر الأجنبى،         فإننا نجد أن هذه العناصر أيضا تعتبر فى صالح المتجر الأجنبى الجديد لدرجة أنه قد بدأ بالفعل – ليس فقط فى توجيه الموردين من منتجى المواد الغذائية فى مصر لتخفيض التكاليف والالتزام بمعايير معينة للجودة والخضوع لسياسة معينة فى السعر الذى يريده، وبالأسلوب الذى يريده وإنما استطاع أيضا أن يصنع بأسمه العديد من المنتجات الغذائية الشائعة وبأسعار منخفضة كثيرا عن مثيلاتها مثل المكرونة، وزيت الطعام وغيرها من خلال تأخير خطوط إنتاج لدى مصانع تعانى من وجود طاقة فائضة فى انتاجها هذا بخلاف شراء بعض الشركات والتفكير في إنشاء مصانع ضمن خطته التى أعلن عنها صراحة رئيس مجلس إدارته فى مصر .

بالنسبة لتهديد المنتجات أو الخدمات البديلة :  

فلقد حددها (Porter, 85) بثلاثة عوامل هى :

- أداء نسبى أفضل بسعر البديل .

- تكاليف تحول المستهلكين قليلة .

- درجة استعداد المشترين للتحول للبديل عالية .

          وهو ما قام المتجر الجديد بالاستفادة منها تماما خاصة فى ظل طبيعة هذه الصناعة التى لا يوجد فيها أى تكلفة للتحول – تقريبا – للبديل، والتى كان استعداد المستهلك المصرى فى ضوء ملاحظة الباحث والأرقام المنشورة عن الإقبال على المتجر فى أيامه الأول ولا يزال تدل على درجة عالية من الاستعداد للتحول للبديل (حيث بلغ 41 ألف مشترى فى بضعه أيام من الأسبوع الأول للافتتاح (أديب 40/3/2000م) .

          أما بالنسبة لأداء السعر فقد اتبع سياسة أن تكون فاتورة الشراء الإجمالية للمشترى أقل من أى منافس، كما أنه تم اختبار 40 سلعة من بين (11) ألف صنف يقوم بعرضها وقدمها بأسعار وصلت فى بعض الأحيان إلى أقل من تكلفة المصنع، وهى السلع التى تهم كل أسرة بشكل يومى مثل الألبان، والمنظفات الصناعية، والشاى، والمكرونة، والمياه المعدنية مما جعل التهديد يصل إلى ذروته لكافة المتاجر المحيطة والقريبة من نطاق المتجر سواء كانت كبيرة أو صغيرة، جملة أو تجزئة، بل شعر به أيضا وبشكل كبير المنتجين الذين لم يقم المتجر بعمل تخفيض على منتجاتهم فتوقف بيعها تماما وتأثر سحبها فى السوق (مثل ألبان جهينة، وفرجيلو) مما جعلهم يحتفظون بما فى المخازن لحين انتهاء العرض ثم القيام بعرض خاص بهم ولكافة المتاجر يصل أيضا إلى حوالى 50% وهو ما لم يحدث مثله من قبل .

- كذلك استطاع أن يقدم بديل متميز للخدمة من وجود عربات متطورة لحمل المشتريات بها أماكن خاصة للأطفال، وأسلوب عرض جذاب وقوى وتشكيلة متنوعة لا يمكن منافستها، وحصل المشتريات إلى سيارة العميل دون مقابل، وبرامج داخلية مسلية للأطفال .

- كما أنه قدم خدمة أخرى متميزة ضربت عصفورين بحجر واحد وهى خدمة التوصيل للمنازل بشكل جيد وبدرجة عالية من الكفاءة والدعاية والترويج المكثف لها وبدون مقابل، حيث أدت إلى زيادة إحساس المشترى بأن الأداء النسبى لسعر البديل أفضل بكثير وهذا هو الظاهر، أما غير الواضح هى إنها ساعدت على سهولة تحول المشترى البعيد عن المتجر دون أى تكلفة تذكر للشراء منه بالتليفون، خاصة فى ظل معاناة المرور والانتظار فى القاهرة عموما وشارع الهرم على وجه الخصوص، وهو مما زاد من درجة استعداد كثير من المشترين للتحول لهذا البديل الجديد . خاصة وقد بدأ المتجر باستعدادات كاملة للتوصيل إلى المنازل على مدى 24 ساعة حيث أعلن منذ اللحظة الأول عن تغطية 6 مناطق سكنية كبيرة خلاف منطقة الهرم وهى الجيزة، والدقى، والمنصورية، وجاردن سيتى، والمنيل، والمعادى، والبقية تأتى .

          ولا شك أن هذا الأسلوب فى الواقع يضاعف من مبيعاته ويزيد من انتشاره بأقل قدر من الاستثمار والفروع والتكاليف الثابتة الباهظة، مما يجعله فى الواقع أقل تكلفة عليه من البيع فى المتجر، ويعطيه ميزة أكبر وهى الشراء بكميات أكبر والاستفادة من وفورات الحجم الكبير .

          ومن ثم تعتبر هذه القوة أيضا – وبوضوح – فى صالح المتجر الجديد وعلى حساب المتاجر الوطنية المنافسة، والتى مثل لها ما يقدمه هذا المتجر من بدائل للخدمة، تهديدا كبيرا.

النتيجة :

          إننا من خلال هذا التحليل لمدى تأثير المتجر الجديد على هيكل صناعة التجارة فى المواد الغذائية بمصر يمكن أن نصل إلى الآتى : -

- إنه استطاع ببساطة وسهولة إعادة تشكيل وصياغة هذا الهيكل لصالحة من كافة الجوانب مما زاد من عنصر جاذبية الصناعة بالنسبة له، وفى نفس الوقت جعلها بالنسبة للمنافسين (تجزئة أو جملة) والموردين أكثر تهديدا وصعوبة وهو ما يؤكد صحة الفرض الأول .

الفرض الثانى :

          أما فيما يتعلق بالفرض الثانى والمتعلق بالموقع النسبى للشركة فى الصناعة وقدرتها على تبنى استراتيجيات تنافسية تحقق لها ميزة تنافسية نسبية على المنافسين، فإن تحليلنا للبيانات المتاحة يوضح الآتى :

- طبقا لإطار (Porter, 1985) فإنه يمكن لأى منشأة أن تجنى أرباحا أعلى من المنافسين حتى لو كانت تعمل فى هيكل صناعة غير مفضل وذلك من خلال نوعين أساسيين من المزايا التنافسية وهما القيادة فى التكلفة المنخفضة، والتميز، وهذين العاملين هماما اعتمدهما أيضا (Grant, 91) فى نظريته المفتوحة (R B T) .

          ولا شك أن كلا العاملين ينبثقا بدورهما من قدرة المنشأة على التكيف والتفاعل مع القوى الخمس لهيكل الصناعة بشكل أفضل من منافسيها (Porter, 1985) .

- وبالرغم من تأكيد (Porter, 85) على أن أى منشأة تريد التميز عليها أن تفاضل فيما بين الأثنين ولا تقف متجمدة فى المنتصف، فإننا نلاحظ منذ البداية أن المتجر الأجنبى قد استطاع أن يحقق تميزا فى الجانبين وعلى نطاق أعمال واسع وليس ضيقا، كما يوضحها شكل (5) السابق ذكره .

فبالنسبة للتكلفة :

          نجد أن الشركة كما سبق أن أوضحنا عند مناقشة الفرض الأول المتعلق بهيكل الصناعة قد حولت هذا الهيكل لصالحها بل أعادت صياغتها بما يحقق لها أعلى فائدة بما لديها من إمكانات هائلة جعلتها قادرة ليست على مجرد تخفيض التكاليف وإنما على القيادة فى تخفيضها بشكل واضح وملموس .

          ومن أهم العوامل المؤثرة فى هذه القيادة تكنولوجيا العمليات، وحجم الفروع والسيطرة على مدخلات التكاليف (Grant, 1991)، وكما هو واضح من البيانات المتاحة فإن المتجر الأجنبى يتمتع بميزة تنافسية واضحة فيما يتعلق بحجم الفروع وانتشارها حيث يعتبر الفرع الجديد الذى أفتتحه من الكبر بما يجعله يتفوق على حجم أى متجر منافس آخر، وهذا مما يمكنه من زيادة قدرته التفاوضية للحصول على أسعار أقل للسلع التى يقوم بشرائها، بالإضافة إلى الاستفادة من كل وفورات الحجم الكبير .

          أما فيما يتعلق بتكنولوجيا العمليات فإنها تتميز بالبساطة والسهولة فى الأداء والشراء، بشكل لا ينافس سواء كان ذلك فيما يتعلق بالتعامل داخل المتجر نفسه أو من خلال ممارسة خدمة التوصيل للمنازل التى سبق أن أشرنا إلى مدى كفاءتها وبساطتها، وأنضباطها وسعيها المستمر لراحة المستهلك وبساطة وسهولة بل واستمتاع ربة المنزل بعملية الشراء رغم وجود أطفال صغار معها يتم توفير كافة وسائل الراحة واللعب لهم بشكل مبسط وسهل، ناهيك عن أسلوب العرض وسهولة الحركة، وتعدد منافذ التحصيل، وكل ذلك يزيد من زيادة تدفق العمليات ومن ثم زيادة العملاء فزيادة المبيعات، ومن ثم التمتع بمزايا الحجم الكبير التى أولها تخفيض التكاليف .

          أما فيما يتعلق بمدخلات منخفضة التكاليف فإنها قد أصبحت نتيجة لكل ما سبق من سيطرة على هيكل الصناعة بكافة عناصره أو كبر حجم الفروع وانتشارها أو تميز العمليات أو زيادة القدرات والموارد الخاصة بالمتجر بما يجعله لا يكتفى ليس فقط بالحصول على أسعار منخفضة من الموردين، وإنما العمل على تأمين الحصول على أقل تكلفة لمدخلاته من خلال قدرة عالية على التفاوض وفرض شروطه، وكذلك قدرة على التكامل الرأسى للخلف وبسهولة .

          ومن ثم نجد أن قدرة المتجر الجديد على القيادة فى تخفيض التكاليف ليست وليدة الإثارة الوقتية وإنما هى مبنية على أسس استراتيجية علمية تجعلها قادرة على الاستمرار على ذلك بل وتحقيق المزيد، خاصة وأن الشركة لا تعمل فقط لمواجهة المنافس المصرى، غير الموجود تقريبا وإنما تعمل بالأساس على تدعيم موقف تنافسي في هذا الصدد يجعل لها السبق في التفوق علىالمنافسين العمالقة القادمين للسوق المصرية لامحالة، وخاصة سلسلة (كارفور) الفرنسية و (مترو) الألمانية واللذان أخذا فعلا فى شراء أراضى وعقارات وشراء متاجر قائمة وتهدف إلى استثمار 3 مليار دولار فى مصر (العالم اليوم 10/1/2000م) .

وبالنسبة للتميز Differentiation

          فإن الشركة استطاعت منذ البداية أن تحقق لها تميزا وتفردا فى السوق المصرى من خلال عدة عوامل : (شكل 4) وهى تكنولوجيا متميزة للأداء والعمليات كما سبق أن ذكرنا علامة وإسم مميز وشعار متميز يركز على ثلاث جمل جودة أفضل – سعر أقل – خدمة ممتازة .       

          بل إنه يحاول التأكيد بكل الوسائل على هذا التميز بكل ما يقدمه من منتجات أو خدمات شعارها المميز وعلى ورقة دعاية مميزة فى أعلاها مكتوب بالعربى أو الإنجليزى (مثلا فيما يتعلق بخدمة التوصيل للمنازل) إنه ليس تسليم للمنازل " ثم تفتح الورقة فتجد مكتوبا" أنه وقت أكثر مع أسرتك " مع تصميم تم بعناية وبه كافة بيانات الاستفادة من هذه الخدمة، كما قام بالتركيز منذ البداية على عناصر التميز المختلفة مثل " 130 سنة من الخبرة نجعلها لراحتك " .

 

 

 

الأفراد والمهارات :

          تم اختيارهم بعناية، وتدريبهم بشكل جيد بحيث لا يمارس أى فرد جديد العمل إلا بعد نوعين من التدريب، الأول تدريب مكثف لمدة 3 شهور، والثانى : تدريب على رأس العمل (on job - training) فى أحد الفروع المتميزة .

          كما تعطى الشركة للموظفين لديها مرتبات وحوافز (مجزية حتى أنه ليصل المرتب الثابت للموظفة المسئولة عن مداعبة الصغار مع أمهاتهم 1200 جنيها مصريا فى الشهر) .

          كما يتم صرف حوافز فردية وجماعية للعاملين فى كل فرع طبقا لحجم مبيعاتهم على مستوى الأقسام المختلفة وخاصة التى يكون للبائع دور ملموس فيها كالجزارة، وعلى مستوى مبيعات المتجر كله الذى تقارن مبيعاته بباقى المتاجر فى مستواه، خاصة وأن هناك ثلاث مستويات من المتاجر تتناسب مع الفئات المختلفة للمستهلكين والمناطق وهى مستوى (أ)، (ب)، (ج) فالعاملون يعملون بدرجة عالية من القدرة والرغبة فى الأداء وبشكل ملفت للنظر، مما دفعنى لاختبارهم واستفزازهم للتأكد من ذلك ولكن كانت النتيجة دائما لصالحهم .

          ومن ثم يمكن الاطمئنان إلى نجاح الشركة فى الاحتفاظ بأفراد متميزين يعملون لديها ويمثلون عنصرا من أهم عناصر التميز بها رغم أنهم من العمالة المصرية .

 التسويق والتوزيع . قدرات الخدمة :

          لا شك أن ما سبق إفتتاح فرع الشركة الرئيسى من جهود تسويقية، وترويحية وعرض، وتسعير، وتشكيلة وتنويع المنتجات التى تبلغ 11 ألف صنف وقدرات شرائية عالمية (36 خبير مشتريات) وتوصيل للمنازل وغيرها جعل الشركة منذ اليوم الأول مميزة ومختلفة وفريدة بحق فى أعين المستهلك أو المشترى.

 

النتيجة :

          إننا من خلال هذا التحليل لمدى تحقيق المتجر لأكثر من ميزة تنافسية فى نفس الوقت، وهى القيادة فى التكاليف والتميز يمكن القول أنه يتبنى كلا من الإستراتيجتين وبشكل موسع وبدون أى عنت من أى منافسين حالين ويرجع ذلك أيضا لتوافر الأسباب التى ذكرها (Porter, 1985) عن الحالات التى تمكن للشركة فيها أن تتبع كلا من الاستراتيجيتين فى نفس الوقت وهى :

الأول : أن المنافسين الحالين للشركة فى السوق المصرية ليس لهم إستراتيجية معينة، وإنما أفضل ما يقال عنهم "أنهم متجمدين فى المنتصف" ومن ثم لا يمثلون أى إزعاج للشركة يجعلها مجبرة على المفاضلة بين أحد البديلين.

الثانى : أن التكاليف تتأثر بشكل كبير بالحصة السوقية، والعلاقات المتداخلة فى الصناعة، وهو ما ينطبق على حالة السوبر ماركت هذه حيث يمكن للمتجر الأجنبى الشراء بكميات كبيرة نتيجة للحصة السوقية الكبيرة التى تمكنه من الإنفاق على مزيد من التميز دون أى تأثير على التكلفة النهائية، كذلك فإن وجود علاقات غير متوازنة بين أطراف هيكل الصناعة سوف تمكن أحد المنافسين من أن يحقق الجمع بين الميزتين من خلال أنه يستطيع أن يستغل الآخرين بينما هم لا يمكنهم ذلك (porter, 1985) . وهذه الحالة أيضا سبق أن أوضحنا مدى تمتع المتجر الأجنبى بها.

الثالث: حينما تتمتع المنشأة بالريادة فى ابتكار معين:

          وبالرغم من أن ما نحن بصدده ليست صناعة تكنولوجية متطورة إلا أن الشركة تتمتع بالفعل بالسبق فى مستوى متميز ومبتكر لأداء الخدمة فى هذا المجال فى السوق المصرى على الأقل، وهو ما يتيح لها أيضا فرصة التحرك بسهولة ويسر ونتيجة لكل ما سبق يمكن قبول صحة الفرض الثانى.

الفرض الثالث:

          وهو يتعلق بموقف الشركات المصرية من حيث قدراتها ومواردها التى تؤهلها على إتباع إستراتيجيات تنافسية معينة، وحتى يمكننا تحليل هذا الموقف للمنشأت المصرية وتصرفاتها فإننا سوف نتناول ذلك بإيجاز من تحليل ثلاث جوانب، وهى مدى جاذبية هذه الصناعة للمنشأت المصرية والموقف التنافسى النسبى لهذه المنشأت فى هذه الصناعة والتصرفات الإستراتيجية المتوافقة مع هذين العاملين باعتبارهما أهم محددات اختيار الإستراتيجية ومن ثم تحقيق الربحية لمنشأة ما فى صناعة معينة وذلك فيما يأتى:

بالنسبة لمدى جاذبية الصناعة والموقف التنافسى النسبى للمنشأت فيها:

          نجد أنها مرت بمرحلتين قبل السماح بالدخول لمتاجر السوبر ماركت الأجنبية العملاقة وكانت الثالثة هى التى بدأت مع بداية هذا الدخول مع بداية عام 2000م.

المرحلة الأولى ( الإنغلاق التام) :

          وهى التى ميزت بيئة الأعمال المصرية عموما منذ نهاية الخمسينيات وحتى نهاية السبعينيات والتى كانت التجارة الداخلية فيها عموما وخاصة الغذائية محتكرة بواسطة الدولة من خلال نوعين من المنشأت، المجمعات الاستهلاكية الحكومية، والبقال التعاونى الذى كان يبيع السلع المدعومة بالبطاقات التموينية ولم يكن هناك فيما عدا ذلك سوى بعض محلات البقالة الصغيرة والتى تبيع ما تسمح الحكومة ببيعه من بعض السلع الإستقرابية وبأسعار محددة وبأصناف قليلة.

          من ثم لم يكن هناك أدنى فرصة للمنافسة أو التميز أو حتى الدافع إلية على أى من هذه الظروف فهى بيئة يغلب عليها الاحتكار والركود أسفرت فى نهايتها عن حالة غاية فى التردى لكل من هذه المحلات الخاصة الفردية الصغيرة وكذلك الحكومية سواء مجمعات إستهلاكية أو بقال تعاونى ومن ثم لم تكن هناك أدنى جاذبية لهذه الصناعة لأى مستثمر فى هذه المرحلة .

المرحلة الثانية الانفتاح :

          وهى المرحلة التى بدأت بما سمى الانفتاح فى نهاية السبعينيات والتى تطورت حتى شهدت منافسة تدريجية لدخول كثير من متاجر البقالة فى مجال توزيع عدد أكبر من السلع الغذائية التى بدأت الدولة ترفع عنها الدعم تدريجيا، وتحد من سياسات البطاقات التموينية المدعمة حتى وصلت إلى بداية التسعينيات إلى شبه منافسة حرة بين المتاجر الصغيرة المنتشرة والمجمعات الاستهلاكية الحكومية.

          وفى هذه الفترة كان واقع كل من المجمعات ومحلات البقالة الصغيرة التى تسيطر على هيكل تجارة التجزئة للمواد الغذائية فى مصر لا يزال يعانى من نواحى نقص وضعف كبيرة.

          ثم بدأت تظهر متاجر السوبر ماركت المتطورة نسبيا فى مصر لكن بشكل غير متكرر، ولا تقارن بمثيلاتها الخارجية وقد أحصت إحدى الدراسات أكبر عشرة من هذه المتاجر فى القاهرة ثم ذكرت أن رقم الأعمال السنوى لهذه المحال العشرة من واقع سجلات الضرائب يترواح ما بين 5.13 إلى 12.9 مليون جنيه بينما تؤكد نتائج البحث الميدانى لذلك البحث أنها تتراوح ما بين 6.48 : 13.9 مليون جنيه وهو رقم لو جمع كله فى سوبر ماركت واحد لكان ضعيفا بالمعنى السائد عالميا فى هذه الصناعة وكما أتضح  فى سوبر ماركت واحد لكان ضعيفا بالمعنى السائد عالميا فى هذه الصناعة وكما اتضح لنا بعد ذلك من حجم استثمارات المتجر الأجنبى.

          ولكن يمكن القول أن جاذبية الصناعة لمثل هذه المتاجر بدأت تزيد بقوة فى مصر فى نهاية هذه الفترة مما أدى إلى دخول سلاسل جديدة مثل " إيدج ماركت" و "مترو" المصرية وليست الألمانية، وABC وغيرها، وكان الإقبال عليها كبيرا وحجم تعاملاتها أيضا كبيرا مما استدعى أيضا ظاهرة حديثة بشكل منتشر فى هذه الفترة وهى تجارة نصف الجملة التى لاقت إقبالا ونجاحا كبيرا فى كثير من المناطق.

          وفى نفس الوقت بدأت المجمعات الاستهلاكية تترنح تماما وتعانى بشدة من كل عيوب الجهاز الحكومى الكبير البيروقراطى التى ظهرت عليها بقوة مع تزايد جرعات المنافسة فلم تستفد من وفورات الحجم الكبير ولا الموقف الاحتكارى المطلق فى أحداث أى تطوير إلا بعد الشعور بالخطر ومن خلال عقد مع احدى السلاسل الجديدة الناجحة "إيدج" بتطوير هذه المجمعات بما سمى بعد ذلك مجمعات الأهرام 2000م ولمدة انتفاع محددة والآن يتم الإعداد لبيعها هى الآخرى.

          وبصفة عامة يمكن القول إن هذه الفترة والتى تنتهى بدخول المنافس الأجنبى قد شهدت جاذبية عالية لمتاجر السوبر ماركت الحديثة ومنافسة كبيرة بين البعض الذى بدأ يظهر منها المجمعات الاستهلاكية والمتاجر الصغيرة تأثر بذلك المجمعات بشكل كبير وبعض المتاجر الصغيرة، التى كانت فى نطاق موقع المتاجر الكبيرة نسبيا أو المتوسطة ولكن كان التأثر بشكل غير ملموس.

          ومن هنا يمكن القول إن السوق المصرى بدأ يتطور ويطور نفسه فى هذا الجانب و الذى تم فيه الاستعانة بالخبرة الأجنبية فى مثل شركة " إيدج" التى استعانت بخبرة " سينسبرى من خلال مشاركة فيها تقدر بحوالى 20% للشركة الانجليزية.

          لكن ظل هيكل الصناعة حتى ذلك الوقت مستقرا والتطوير محدود ولعدد محدود من المتاجر حجمها فى النهاية متواضع والذى نجح منها كان يرجع السبب فى ذلك النجاح – فى أغلبه إلى طبيعة الصناعة نفسها وهيكلها الذى لا توجد فيه ندية واضحة وليس لتميز هذه المنشأت أو قدراتها الذاتية على المنافسة.

المرحلة الثالثة بداية منافسة السوبر ماركت العملاقة :

          حيث أغرى هذا الوضع للصناعة فى مصر هذه المتاجر العملاقة للدخول خاصة بعد أن أختبرت عمليا السوق من خلال مشاركة محدودة ثم قامت بعد ذلك بعملية ما تسمى Takeover وهو ما فعله سينسبرى بشراء 80% من إيدج ودخولهما معا باسم الشركة مباشرة فى مصر وبشكل هجومى عدوانى وسريع وقوى ترتب عليه إفتتاح عدة فروع متميزة وجديدة فى أقل من ثلاثة أشهر منذ بداية عام 2000 غطت مناطق الأهرام وفيصل وشبرا ومصر الجديدة وجسر السويس وغيرها هذا بخلاف فروع إيدج نفسها التى آلت ملكيتها للشركة بالتبعية وكذلك حقها فى إتمام عقد مجمعات الأهرام 2000 ليمكنها من زيادة تميزها بوفورات الحجم الكبير فى الشراء والبيع ويعطيها مركزا فى السوق المصرى على كافة المنافسين .

          وهذه الفترة هى التى شهدت تغيرا حقيقيا فى هيكل هذه الصناعة كان معظمه إن لم يكن كله إيجابيا للشركة الانجليزية وسلبيا للشركات المصرية .

          بما أدى إلى تحول جاذبية هذه الصناعة لهذه الشركات إلى أقل درجاتها بحيث أصبحت فيما يمكن تسميته تهديد شديد وفى نفس الوقت تعتبر جميع هذه المنشأت من حيث المركز التنافسى النسبى لها مقارنة بالمتجر الأجنبى العملاق أيضا فى وضع الضعف الشديد وهذا هو ما أكده جميع من تناول هذه القضية حيث اتفقوا على الضعف الشديد الذى تعانى منه هذه المنشآت حتى من هاجم بشدة المتجر الأجنبى "رفعت 28/2/2000".

          ومن هنا يمكن القول إن الوضع الإستراتيجى للمنشأت المصرية العاملة فى مجال تجارة تجزئة المواد الغذائية فى مصر قد تهاوت مع دخول المتجر الجديد من مربع رقم 3 إلى خانة رقم (9)        " كجلمود صخر حطة السيل من عل"

وهو ما يوضحه شكل (6) .

          وهذا مما يجعل البديل الإستراتيجى الوحيد أمام هذه المنشآت هو اتباع استراتيجية دفاعية كما هو مقرر فى أدبيات الإدارة الإستراتيجى (David, 1995) وهذه الاستراتيجية تأخذ أشكالا متعددة من بين الانسحاب من النشاط تماما أو التصفية أو الإنكماش، التركيز، أو مشروعات مشتركة أو تنويع ... الخ ذلك (Dawar & Frost, 1999) .

الموقف التنافسى النسبى شكل (6)

مصفوفة تقييم الوضع الإستراتيجى للشركات

المصرية بعد دخول السوبر ماركت العملاقة مصر

 

         


فما هو واقع ردود الأفعال الحقيقية والفعلية التى قامت بها المنشآت المصرية فى ضوء البيانات المتوفرة للبحث؟

          إن الواقع يشير إلى أن هذه المنشآت لم تكن مدركة لما يحدث حتى حدث بالفعل وبدأت تستشعر الخطر حيث أدى دخول المتجر الانجليزى إلى :

          إغلاق 25 محلا فى شارع الهرم فقط فى الأسابيع الثلاث الأولى فقط ومن المتوقع إغلاق 1500 محل هذا العام وسوف يصل إلى إغلاق حوالى 10000 فى الثلاث سنوات القادمة ( رفعت 28/2/2000).

          انخفضت مبيعات جميع متاجر التجزئة الكبرى فى الهرم وفيصل ومنها بوتة ودبة باعتبارها من أكبر عشرة متاجر فى القاهرة الكبرى بنسبة تبلغ فى المتوسط 60%. قام بعضها بالفعل بتغيير النشاط فتحول إلى كشرى مثلا.

          كما قام البعض الآخر بمحاولة تقليد خدمة توصل المنازل بالاتفاق مع بعض الأصدقاء والمعارف وبشكل عفوى وغير مخطط.

          عقد أصحاب متجر بوتة ودبة اجتماعا لدراسة الموقف وقرروا التصفية التدريجية للبقالة لديهم بعد أن أنهارت بشكل مفاجئ وكبير باعتبارهم هم أقرب وأقوى سوبر ماركت للمتجر الجديد، زاد هذا الانخفاض عن 60% من الأسابيع الأولى كما قرورا أيضا كأول رد فعل التركيز على السلع الاستقرابية وكذلك (Takeaway) من سندوتشات وعصائر ومياه غازية ومعدنية وإعادة هيكلة المتجر ليتحول إلى مخزن كبير لهذه المنتجات التى بدءوا فى شرائها بكميات كبيرة، وترك مساحة محدودة (حوالى 20% تقريبا) للعرض والعمليات وبمناقشته فى ذلك اتضح للباحث أن هذا التصرف تم بشكل إنفعالى وغير مدروس وطلبت منه المزيد من التريث والدراسة وبعد حوالى ثلاث أشهر بدأ التفكير يتجه نحو التصفية الكاملة والإغلاق ولكن بشكل تدريجى لتقليل الخسائر خاصة وأن المبنى الذى فتح فيه المتجر الجديد به مثل هذه الكافتيريات الجذابة والمتخصصة وكذلك أمامهم وحولهم متاجر متخصصة متميزة لن يستطيعوا منافستها.

          أما عن إمكانية التكامل مع باقى المتاجر فى نفس المنطقة فقد كان رد جميع من ناقشهم الباحث من أصحاب هذه المتاجر "أن هذه أسوأ فئة، يكرهون بعضهم" وأفضلهم قال إن له تجارب فاشلة فى المشاركة لا يمكن تكرار مع شركاء ولم يتطرق ذهنهم من قريب أو بعيد إلى إمكانية التكامل بأى صورة من الصور وفضلوا انتظار الموت المحقق إن عاجلاً أو آجلا.

          كان رد الفعل الوحيد الذى يبدو فى شكل إيجابيا هو ما قام به كبار تجار الجملة والتجزئة بالإعلان عن تحالف وإنشاء شركة مساهمة برأسمال 100 مليون جنيه اكتتبوا فيها بـ 10 مليون وسوف يتم طرح الباقى على التجار والجمهور فى اكتتاب عام وإن كان هذا الرد الأكثر نضجا الوحيد لا يزال يعانى من كثير من جوانب نقص كثيرة فهو فى إطاره العام رد فعل أيضا وليس مبادرة ذاتية وإن كان يمثل بادرة طيبة فى هذه الصناعة نتمنى لها أن تتضح وبسرعة فالوقت ليس فى صالح أى تأخير أو تجارب عشوائية غير مدروسة لم يعد السوق مستعدا لتحمل أعبائها وتكاليفها فما هى جوانب التميز التى سوف تركز عليها هذه الشركة الجديدة والتى أطلق عليها اسما متسرعا "مصريتنا" ؟ وما أسلوب إدارتها ؟ وما هى الأماكن التى سوف تبدأ بالمنافسة فيها؟ وفى أى وقت سوف تبدأ ذلك؟ وهل سيكفى هذا الرأسمال المتواضع فى مقابل المنافس الحالى والمنافسين المرتقبين للصمود والبقاء فى ظل هذا الخطر؟ وهل سيتم الاستعانة فى البداية بخبرة أجنبية للمشاركة مقابل الإدارة وهى ( سلاح ذو حدين) ؟ أم سيتم الاعتماد على خبرة مصرية علمية وعملية متخصصة؟ أم سيتم إتباع نفس الأسلوب المتبع لدى هؤلاء التجار حاليا؟ أم بذل اقصى جهد لمحاولة تقليد الأجنبى والتعلم منه؟ هذه الاسئلة وغيرها تجعل من أكثر الردود الاستراتيجية نضجا علامة استفهام كبيرة لكن لا يمكن أن ننكر أن هناك تغيرا حقيقيا بدأ يحدث فى البيئة المصرية خاصة بعد أن أقتحمت المنافسة صناعة ذات تأثير متعدد وواسع على أطراف كثيرة ومتنوعة من المستهلك العادى، وأصحاب المتاجر الصغيرة والكبيرة المنتشرة وأصحاب المصانع والعاملين فيها وكل من له صلة بالتعامل فى المواد الغذائية التى لا يخلوا من التعامل فيها أى فرد فى مصر حتى الطفل الصغير وهو يؤذن بمرحلة جديدة وحقيقية للمنافسة فى مصر يعتبرها الباحث من حيث الأثر الاقتصادى تتوازى مع حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 إن لم تكن تزيد. وكنتيجة يمكن القول أن الفرض الثالث يعتبر صحيحا إلى حد كبير.   

 

تاسعا: مناقشة نتائج الدراسة :

          لا شك أن نتائج هذا البحث تؤكد على إمكانية الاستفادة العملية بنموذج بورتر المقترح فى تحليل إستراتيجيات المنافسة (porter, 80 , 85) وما أضافته أيضا نظرية (RBT)  كإطار للاستفادة من أفكار بوتر وإن كان هذا الإطار الذى قدمه (Grant, 1991)  مجرد إطار نظرى استرشادى فى هذا الصدد إلا أن البحث أكد أن فائدته التطبيقية واضحة ويمكن تعميقه بمزيد من الأبحاث فى هذا الصدد.

          كما توضح نتائج البحث أن هيكل صناعة معينة لا يعتبر فى حالة ثبات مستمر، وأنه بإمكان منافس قوى ذى موارد وقدرات تنافسية عالية أن يغير فى هيكل هذه الصناعة، تماما لصالحه ويعيد تشكيل قواعدها بما يحقق له السيطرة والقيادة والاستحواذ على ربحيتها وبما يفوق بكثير متوسط الصناعة نفسها، كما قرر ذلك (Hamel, & Byrhalad,1994) وبورتر نفسه قبل ذلك (porter, 80, 85) .

          إن هذه النتائج أيضا تشير بوضوح إلى منحنى جديد سوف يسود فى كل من الدراسات الأكاديمية وإستراتيجيات الأعمال التطبيقية فبالنسبة للجانب الأكاديميى فإن وحدة الدراسة فى مجال التحليل الاستراتيجيى لن تكون المنشأة وإنما صناعة كاملة أو مجال أعمال بعينة (Business) وهو ما يتفق مع (Porter, 1991) .

          أما فيما يتعلق بالممارسة الإدارية فإن ما يحدث فى هيكل الصناعة من تغير سيفرض إستراتيجيات جديدة وغير مألوفة فى السوق المصرى، وأهمها إستراتيجيات التكامل بنوعيها الأفقى والرأسى والتى لا تزال تفتقر فى السوق المصرى إلى خبرات متميزة فى تنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات رغم أنها أصبحت السمة الغالبة على الشركات العملاقة ذاتها وخاصة فيما يتعلق بالتكامل الأفقى، وهو ما أعاد صياغة هياكل العديد من الصناعات فى العالم كصناعة الدواء والكمبيوتر والسيارات والاتصالات وغيرها (Fine, 1998) ورغم القلق الذى ساد نتيجة لدخول المنافس الأجنبى إلا أن الباحث يرى أن فيه جوانب للخير أهمها أنه سيحدث فى البيئة المصرية محفزا للمنافسة والتميز يستحيل تحقيقيه دون منافس قوى وواقعى كما ذكر (porter, 1991) . أما مجرد التحذير والكلام دون وجود هذا الخطر فإنه غالبا ما لا يجد أذنا صاغية.

عاشرا محددات البحث :

          لا شك أن أى عمل بشرى له حدود وقصور مهما بلغ من الاجتهاد ومن أهم المحددات التى يراها الباحث متصلة بظروف هذا البحث ما يأتى:

          ندرة توافربيانات ثانوية موثقة تتعلق بالموضوع مما جعل الباحث يلجأ إلى المصادر المتاحة والتى قد لا يكون لها موثوقية كبيرة فى العرف الأكاديمى، ولكن طبيعة مثل هذه الأبحاث ستظل تفرض ذلك.

          محددات تتعلق بالوقت الذى تم فيه البحث والتى – رغم ما حدث فيه من تحليل يبدو كبيرا- إلا أن الباحث لم يؤد بعض الجوانب بصورة تحقق له رضا كاملا.

          كما أن حداثة الظاهرة للغاية جعلت الدراسة تتم فى وقت يتميز بديناميكية عالية ويحتاج إلى متابعة مستمرة حتى تستقر الأمور نسبيا ويرتفع غبار المعركة ويتم حصر نهائى بالمكاسب والخسائر وموقف كل طرف.

          محددات الكم، والتى حاول الباحث الاجتهاد فى ضغطها لكن طبيعة البحث الوصفية والمنهج القياسى المتبع وحداثة الظاهرة فرضت كما معينا قاوم الباحث إغراء كثير من أجزائه.

حادى عشر: أهم التوصيات :

          فى ضوء نتائج الدراسة يوصى الباحث بعدة توصيات أهمها:

أ- بالنسبة للمنشآت المصرية فى مجال صناعة وتجارة المواد الغذائية:

- يجب أن يتم النظر إلى صناعة المواد الغذائية وتوزيعها كهيكل متكامل ومترابط.  

- أن تعمل على تطوير أنفسها تطويرا حقيقيا متكاملا يتناسب مع المنافسة التى أصبحت نصب أعينها وليس مجرد تطوير شكلى أو جزئى.

- أن أول من يجب أن يتعرض لهذا التطوير هم أصحاب هذه المتاجر أنفسهم الذين تعودوا على تحقيق نجاح سهل في بيئة تنافسية راكدة أخفت الكثير من جوانب الضعف الاستراتيجية التى يعانى منها هؤلاء الأفراد.

- ما لم يحدث ذلك –وهو ما يتشكك فيه الباحث فإن المقابل هو استمرار المزيد من ممارسة التجربة والخطأ التى أصبحت تكلفتها مرتفعة للغاية وملموسة ولم يعد لها مكانا تقريبا في المستقبل.

- ومن ثم يوصى الباحث بضرورة إفساح المجال لإدارة شابة ومحترفة لقيادة زمام المنافسة بصرف النظر عن الملكية فالمشكلة في القيادة القادرة على التطوير والابتكار والمنافسة، أما الأفراد المنفذون فهم أسهل ما يمكن الحصول عليهم وتدريبهم وتشغيلهم إذا وجدت النظم المتكاملة والإدارة الواعية أولاً.

- أن المجال لن يستوعب الكيانات الصغيرة المتناثرة ومن ثم على العاملين فى هذه الصناعة ضرورة المسارعة – لكن بشكل علمى ومدروس – باتخاذ إستراتيجيات جديدة لا مفرعنها لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه وخاصة:

- التكامل والتحالف الأفقى لإنشاء متاجر سوبر ماركت متطورة وكبيرة ولديها القدرة على المنافسة الحقيقية.

- دخول رجال الأعمال ذوى الموارد الضخمة والخبرة هذه السوق الواعدة باعتبارها إستراتيجية للتنويع ولا مانع من التحالف فيما بينهم فى ذلك بل هذا هو الضرورى والأفضل .

- إتباع مجموعة من إستراتيجيات التكامل الرأسى للأمام وللخلف حتى تقلل من مخاطر التهديد الناشئ من تركز السوبر ماركت العملاقة فى يد منافس واحد أو عدة منافسين قلائل تكون لهم السيطرة الكاملة على السوق فى الفترة القادمة، حيث سيتحول هيكل التجارة الداخلية لمواد التغذية فى مصر- من وجهة نظر الباحث إلى 90/10 بدلان 10/90 إلى 90% للسوبر ماركت العملاقة مقابل10% لتجار الجملة وليس العكس كما هو حادث الآن تقريبا، وهو ما حدث فى أوربا وخاصة إنجلترا فى السنوات الست الماضية.

أن منهج منافسة السوبر ماركت المصرية الجديدة والمتطورة والتى سوف يتم إنشائها بإذن الله يجب أن تتبنى سياسة السعى السريع والقوى إلى مناطق جديدة وخاصة فى مدن ومراكز. الأقاليم والمحافظات وبما يحقق لها تميز السبق ويزيد من صعوبة دخول منافسين فى مثل هذه المناطق، وبذلك يمكن أن يحقق له تواجدا متميزا أو مستقرا فى سوق بعيدة نسبيا عن المنافسة يسهل خدمتها بشكل متميز ومرضى تماما، ويعود عليه بمزيد من تنمية قدراته وموارده لتمكينه بعد ذلك من إقتحام المزيد من الأسواق بما فيها المنافسين الكبار السابقين أنفسهم على غرار ما قامت به وول مارت فى السوق الأمريكية حينما نشأت فى الستينات من القرن العشرين (moore,. J. 1996) وهو ما يعرف فى الاستراتيجية الالتفات والتدعيم (الماضى 2000).

ب- بالنسبة لسياسات الحكومة:

          رغم تبنى الحكومة سياسة تحرر اقتصادى شبه كاملة إلا أنه لا يمنع من أن يتحول دورها كما هو الحال مع معظم الدول التى تتبنى تلك السياسة، من إدارة الاقتصاد الوطنى بشكل مباشر إلى توجيهه بشكل غير مباشر وفى الاتجاه الذى يدعم مزايا حقيقية على المستوى القومى، فالجهود الحقيقية لهذه المنشآت فى تحقيق مزايا تنافسية هى ما يشكل فى النهاية الميزة التنافسية للأمة ككل.

          أن تعمل الدولة بعناية على حسن الاستفادة بالمهلة الممنوحة لتطبيق اتفاقية الجات بإدخال جرعات محسوبة ومتحكم فيها من المنافسة فى كل صناعة وبما يؤدى إلى تنشيط المنافسة الوطنية وتقويتها فى هذه الصناعة، وليس إضرارها والقضاء عليها وهذه فرصة أخيرة لا ينبغى إضاعتها.

          - تحفيز غير مباشر بكافة الوسائل لدفع هذه المنشآت على تحقيق ميزة تنافسية بكل ما تملكه الدولة من أساليب تشجيعية تقدر عليها وتمكنها من قيادة هذه المنشآت بشكل غير مباشر لتطوير نفسها والوقوف بجدارة فى مواجهة المنافسة العاتية التى حلت وسوف تتزايد مع الوقت، ومن أهم ما يمكن للحكومة المساهمة فى ذلك توجيه مزيد من استثمارتها فى معامل الابتكار وتأثيرها فى توجيه أهداف الأفراد والمنشآت ودورها كمشترى أو مؤثر فى احتياجات المشترين (porter, 1991) .

- وضع القواعد المنظمة لعملية المنافسة فىسوق التجارية الداخلية أسوة بما هو مطبق فى دول العالم المتقدمة كأمريكا مثلا.

ج: فيما يتعلق بالأكاديمين وعلماء الإدارة:

- أن يزيدوا من مستوى إسهاماتهم فى نقل أساسيات الفكر الإدارى الحديث إلى رجال الأعمال والممارسين بشكل عملى ومبسط ويتناسب مع طبيعة الجميع ومستواهم.

- تبنى مشروع قومى- تدعمه الدولة إن أمكن- لنشر مثل هذه الثقافة الإدارية والإستراتيجية المتقدمة من خلال مجموعة من الوسائل والأساليب المتكاملة كالندوات والمؤتمرات المشتركة مع رجال الأعمال، واستشارات متكاملة، وإصدارات من كتب ومجلات موجهة ... الخ.

- توجيه الباحثين إلى المزيد من الأبحاث التى تثرى حقل المنافسة والمزايا التنافسية وإستراتيجياتها فى البيئة المصرية.

- بناء وتدعيم ثروة من الحالات العملية للمنشآت المصرية الناجحة وتدريسها وتبادلها بين الجامعات بحيث تخصص فى صناعة معينة وهكذا.

- يمكن لممثلى علماء الإدارة وهم اللجنة العلمية الدائمة باعتبارهم حكماء الإدارة فى هذا البلد تبنى وتشجيع ماسبق، والارتقاء بدور اللجنة- كما بدأت فى السنوات الأخيرة- من مجرد تحكيم الأبحاث إلى الارتقاء بالمهنة وترويجها للمجتمع، فلقد أصبحت الإدارة هى خط الدفاع الأول والأخير للبقاء أمام المنشأت المصرية على اختلاف أنواعها وأحجامها بعد أن سقطت كافة الخطوط الاخرى .


ثانى عشر: أبحاث مقترحة:

          لا شك أن هذا البحث يفتح المجال لأبحاث أخرى مكملة أو متوازية ومن أهمها:

- بحث تتبعى للوقوف على ما يمكن أن يحدث على هيكل صناعة تجارة المواد الغذائية فى مصر من تغيرات وردود أفعال بعد فترة معينة ولتكن سنة إلى ثلاث من الآن؟

- أبحاث متوازية لتحليل هيكل الصناعات المختلفة فى مصر باعتبار أن كل صناعة تعتبر فريدة من نوعها ولها هيكلها الذى يميزها عن غيرها من الصناعات وإن كان هيكل الصناعة الواحدة نفسه يمكن أن يتغير من وقت لآخر حسب القوة التنافسية النسبية للأطراف التى تكونه وما يحدث عليها من تغيير.

- ومن ثم يوصى الباحث أن تكون وحدة التحليل التى يجب أن تهتم بها الأبحاث الأكاديمية فى مجال الإدارة فى الفترة القادمةهي هيكل الصناعة وليس المنشأة.

- مجموعة من الأبحاث المقارنة للوقوف على سياسات ونظم الإدارة المختلفة التى تتبعها مثل هذه الشركات الأجنبية لتعميق التعلم فى موضوعات مثل:

          - الهيكل التنظيمى.

          - إدارة الموارد البشرية بكل موضوعاتها.

          - تكنولوجيا المعلومات.

          - الشراء والتخزين والمناولة .

          - التسويق بكل عناصره .... الخ.


المراجع

أولاً المراجع باللغة العربية :

1- أديب، عماد الدين، الاقتصاد الفرعونى فى مواجهة الخونة "العالم اليوم" (عدد 277- 4/3/2000 ) ص1 .

2- الماضى، محمد المحمدى إدارة الإستراتيجية ( القاهرة، دار الثقافة العربية 2000).

3- السويدان، طارق الاتجاهات الحديثة فى الإدارة (الكويت 2000).

4- رفعت، عصام، الدناصورات القادمة لتدمير الاقتصاد المصرى، مخاطر جسيمة على التجارة، مخاطر جسيمة على الصناعة، الأهرام الاقتصادى، (عدد 1625،28/2/2000) ص 4: 5 .

5- رفعت عصام، العقد الأسطورة "الأهرام الاقتصادى"، ( عدد 1726، 6/3/2000).

6- رفعت، عصام، الاستثمارات الأجنبية والتجارة الداخلية، نعم المنافسة للاحتكار، الأهرام الاقتصاد، ندوة منشورة ساهم فيها العديد من رجال الأعمال والخبراء المهتمين بشكل مباشر وغير مباشر بالقضية ( عدد 1627، 13/3/2000) ص 36 : 48.

ثانيا المراجع باللغة الأجنبية :

1- Babbie, Earl, the practice of social Research (3th California wadsworth Inc. 1988).

2- Brown, S. & Eisenhardt, K., Competing on the Edge (Boston Harvard Business School press, 1998.

3- Davil, F., strategic Management (4th de. N.Y. Macmillan1995).

4- Dawar, N & Frost, T. “Competing with Giants: Survival strategies for local companies in Emerging Markets “ H.R.R ( March-April, 1999) PP. 119 – 129.

5- Fahey, L. & Randall, R. Learning from the future competitive fine, Charles, (tock speed: Winning industry control in the Age of temporary advantage (peruses Books, 1998).

6- Fine, Charles, Clock Speed Wining Industry Control in the Age of Grant R., “ The Resource Based Theory of competitive Management Review, (spring 1991), PP. 115- 135.

7- Hamel G., “ Strategy as Revolution : H.B.R ( July- Aug 1996) PP. 69 – 73.

8- Hamel G.& Prahald, C., Competing for the future (Boston Harvard, Business. School Press, 1994).

9- Hruby, M., Techno leverage: Using the lower of technology to out per from the competition (Anadem 1999).

10- Mickleth wait, Jouln & wooldridge, A., The witch Doctors (N.Y. Times Books 1996).

11. Porter, M., Competitive Strategy : Techniques for Analyzing Industries and competitors (N. Y : 1980), P.4.

 

 


 



[1] ) تم تقديم هذا البحث في مؤتمر : الاتجاهات الحديثة في الإدارة ، ابريل 2000

وتم نشره ضمن مقالات أخرى في كتاب للمؤلف : دراسات متقدمة في الإدارة ، ط 3، (القاهرة : يطلب من المؤلف،  almohamady@almohamady.com وكذلك dr.mady1@gmail.com

   
أضف تعليق
الاسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
أدخل حاصل جمع